بغض النظر عن الجدل الدستوري في الظاهر والانتخابي في الجوهر، والقلق الذي يثار حالياً حول مصير الانتخابات النيابية، فإن الاستحقاق المقبل سيشكّل محطة تحوّل تشهدها الساحة اللبنانية تكاد توازي بأهميتها اتفاق الطائف، كما يقول مصدر ديبلوماسي مطّلع، ذلك أن قانون الانتخاب النسبي، الذي لا يحظى برضى غالبية القوى السياسية التي شاركت فيه، والتي سعت بعد إقراره، إلى البحث في إدخال تعديلات عليه، يرفع من وتيرة المنافسة، ويعزّز السباق نحو التحالفات التي تبدو ضرورية لكي يتمكّن أي فريق من القوى الخمس الأساسية من الدخول إلى البرلمان العتيد على رأس كتلة نيابية وازنة.
وبالتالي، فإن حالاً من عدم الارتياح تسجّل داخل القوى الرئيسية، كما لدى حلفائها في الخارج، لأن الانتخابات النيابية المقبلة ستشكّل مجالاً لتجديد الطواقم لدى هذه القوى أولاً، وستكون عقبة أمام بقاء الأكثريات الحالية، ولا سيما أكثرية ما كان يعرف بفريق 14 آذار ثانياً.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، قال المصدر نفسه، ان القانون الجديد يعطي الفرصة لفريق الثامن من آذار لتأمين أكثرية نيابية في برلمان 2018، وذلك بصرف النظر عن المجادلات الحاصلة بين بعض أطراف هذا الفريق. وفي رأي المصدر الديبلوماسي، فإن الانتخابات المقبلة ستكون مكلفة بكل المعايير بالنسبة للقيادات الداخلية وللمحاور الإقليمية، خصوصاً في ظل احتدام الصراع الإيراني ـ السعودي في المنطقة، والمعلومات المتداولة في الفترة الأخيرة عن تدخّلات من قبل سفراء وبعثات ديبلوماسية عربية وغربية في الاستعدادات الجارية للعملية الانتخابية المقبلة، والتي استدعت دعوة صريحة من وزير الخارجية جبران باسيل إلى كل السفراء في لبنان إلى عدم الخروج في تصريحاتهم ونشاطاتهم ولقاءاتهم مع الأطراف اللبنانية، عن القواعد المرسومة لهم من قبل القانون، وبالتالي، عدم التدخّل في المواجهات السياسية الداخلية المرتقبة من خلال نقل صراعات المحاور الخارجية إليها.
ومع تشغيل القوى الرئيسة لمحرّكاتها الانتخابية، توقّع المصدر الديبلوماسي نفسه، حصول تغيير بارز في العلاقات ما بين الأطراف السابقة التي شكّلت ركيزة لفريق 14 آذار، واعتبر أن الالتقاء بين هذه القوى، سيتم رغم كل العقبات ولو تأخّر قليلاً، ذلك أن هؤلاء سيكونون مستفيدين من عملية إحياء التحالف في ما بينهم، وذلك في ضوء القناعة التي بدأت تتكرّس لدى أكثر من جهة، باستحالة خوض الاستحقاق الانتخابي بشكل منفرد. وكشف أن غالبية القوى الخارجية المعنية بالاستحقاق، ما زالت تتعاطى بحذر مع قانون الانتخاب الجديد، وإن كانت تصرّ في الوقت نفسه على إجراء الانتخابات النيابية. أما سبب الحذر، فهو أن النسبية ستنقل الغالبية النيابية إلى معسكر «حزب الله».
وبصرف النظر عن دقّة التوقّعات الديبلوماسية، فإن معلومات أكدت أن «حزب الله» يقارب المرحلة المقبلة، وبشكل خاص الاستحقاق الانتخابي النيابي، على قاعدة التأسيس لمرحلة وطنية جديدة تنتفي فيها عناصر الاضطراب بسبب الإيحاءات الخارجية، ولذلك، فإن الأولوية لديه هي في تعزيز الاستقرار وتهيئة المناخات لاجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المحدّد وتجنيب الساحة الداخلية أي أخطار مستقبلية.