في مثل أمس قبل 25 سنة، احتفل العالم في 9 تشرين الثاني 1989 بهدم جدار برلين. يومذاك، لم تسمع طلقة واحدة. انتصرت تطلعات الألمان والأوروبيين الى قيم الحريّة والديموقراطية على وعود لم تتحقق يوماً بنشر مبادىء العدالة الإجتماعية في بلدان المنظومة الشيوعية. أليس من حق العرب أن يتطلعوا الى يوم كهذا تنهار فيه جدران القهر والكراهية عندهم؟
حمل “الربيع العربي” في بداياته آمالاً كهذه. تمثل الثورة التونسية منذ مطلع عام 2010 مثالاً يمكن أن يحتذى لكسر أغلال الظلم. عاد التونسيون في الأوقات العصيبة الى الأصول التي زرعها الحبيب بورقيبة أواخر الخمسينات من القرن الماضي. نقل من فرنسا وأوروبا قيماً لا تقدر بثمن. فرض التعليم إلزاماً. مكّن المرأة قانوناً. نبذ التحجّر ديناً. ليس من عبث انتفض التونسيون على جور زين العابدين بن علي. ليس من عدم رفضوا الإنقياد تحت راية واحدة لحركة النهضة الإسلامية بزعامة راشد الغنوشي وإن يكن اختبر في بريطانيا والغرب مفاهيم التعدد والإختلاف. انفتاح التونسيين على العالم منحهم بعض المناعة في مواجهة الجماعات الإسلامية الإرهابية وعمليات الإغتيال الوحشية ضد النخب السياسية والفكرية.
هدم جدران الظلم لم يعن على الإطلاق وضع المصريين بين خيارين لا ثالث لهما. يشكل “الأخوان المسلمون” مكوّناً رئيسيّاً من المجتمع المصري. ارتكبوا خطأ فادحاً – وربما قاتلاً – إذ اعتقدوا أن في امكانهم إن يثأروا من بطش جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وتالياً أن “يتفرعنوا” وأن يستأثروا بحكم أرض الكنانة. يا لهزالة تجربة محمد مرسي. لا أحد يدرك الآن كيف سينظر العالم الى حكم العسكر بقيادة عبد الفتاح السيسي بعد 25 سنة من الآن. غير أن الناصرية لم تنجح في أن تهدي الى مصر ما أهدته البورقيبية الى تونس. ثمة حاجة عميقة الى الحوار بين مكونات الشعب المصري. ليس أفضل من التعليم وخفض المستويات المخيفة من الأمية من أجل هدم الجدار السميك بين المسلمين والأقباط والعلمانيين، وبين السياسيين والمدنيين والعسكريين.
عادت الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) وقت انهار جدار برلين. أما اليمن اليوم فيتأرجح محاولاً تلافي السقوط النهائي في جحيم العنف، والإنقسام مجدداً بين شمال وجنوب، وبين زيدية وشافعية.
إذا كانت سوريا تشكل عنواناً لمأساة ليس إلا، فإن ليبيا تحوّلت أرضاً سائبة للفوضى. لا إرث أعنف مما تركه معمر القذافي. تتناتش هذا البلد ثارات قبلية. يدمر الثوار مؤسسات الدولة ورموزها. يرفعون رايات المناطق. يهيمن الغموض على كل شيء. أحداث بنغازي وطرابلس ومصراتة ليست ربيعاً واعداً. وهذا ما يوازي ما تفعله اسرائيل، ألدّ عدو للعرب. تنشر الفصل العنصري وتبني جداراً حقيقياً له.
كان يمكن لبنان أن يكون روحاً مختلفة – كما هي تونس الآن – لولا أن السياسيين اللبنانيين ينتظرون “الوحي” وناقلي “كلمات السر” من خارج الحدود. يهدمون بعضاً من جدار برلين… العربي.