اللعب بالقضايا المصيرية، كاللعب بالنار.
بل هو نوع من الانتحار الذاتي.
والمقصود بالقضايا المصيرية، شؤون وشجون مرتبطة بالمستقبل والحاضر، والماضي البعيد والقريب.
وهذا هو سر لبنان.
ومن خصائصه أن ماضيه ومستقبله، يرتبطان بوجوده والتاريخ.
كان نائب الشمال النقيب الكبير لمحامي الشمال، عدنان الجسر يقف في صفوف النواب، ويعتلي منبر المحاماة، وفي ذهنه عبارة لا تنضب: لبنان من حسناته، أن الفكر فيه لا ينضب من التفاهم على الماضي العريق، وعلى الحاضر القريب.
والمستقبل عند النائب النقيب هو الوحدة في المواقف المصيرية، والتنوع في الآراء، والبعد عن الرتابة والجمود.
كان الحقوقيون يتهافتون على حضور أو على سماع آرائه، ليدركوا أن لبنان يندثر بجمود العقل والفكر، ويحيا ويستمر بسعة الآراء والمفاهيم.
***
يعود اللبنانيون الى فكر عدنان الجسر، في هذه الحقبة، بعد السجال على دور لبنان، خصوصاً عندما تعصف فيه الأزمات، وتتلبد على جوانبه الخلافات.
قبل أكثر من نصف قرن، حطت الطائفية على وجه الأفكار. وبعدها أخذت المذهبية ترسو فوق المفاهيم العابرة للطوائف.
ولبنان، الصغير في مساحته، والكبير في معنوياته، ماذا يبقى منه اذا ما هيمنت عليه آراء ليست من طبيعته.
أو ظهرت ، بين الفينة والفينة، حزازات لم تكن يوماً من طبائع أبنائه.
بعد سبع ساعات، اتفق الوزراء أمس الأول على صياغة قرار مجلس الوزراء.
والقصة كلها دارت حول مسألة الإجماع العربي.
والاتفاق بين السادة الوزراء، وبين السياسيين والقوى الأخرى، على وحدة الإجماع العربي، هو انتصار لا إخفاق.
وتحييد لبنان من خصوصيات هذا البلد، وانحرافه من مساوئ هذه الخصوصية.
ربما، ما حدث داخل جلسة مجلس الوزراء هو التقليد. لكن ما حدث بعد الجلسة هو التعطيل للارادة اللبنانية.
ولبنان يكبر بالتوافق، ويصغر بالخلاف.
وهذا ما حدث في النهاية.
***
هل من طباع اللبنانيين، أن يختلفوا على ترحيل النفايات، أو على استبعاد المحارق، وعلى الترحيب بالمطامر؟
ليست هذه قضية لبنان.
قبل وقت قصير على استشهاده، غادر الرئيس رفيق الحريري الكرملين، بعد اجتماع طويل مع الرئيس الروسي بوتين.
ومن هناك، من الساحة الحمراء، انتقل الى الساحة السمحاء وقال إنه متوجه الى زيارة بطريرك موسكو الأرثوذكسي، وقال عبارته الشهيرة: اذا لم يتفق اللبنانيون مع بعضهم بعضاً، نكون جميعاً ندفع لبنان الى الزوال.
وقال رفيق الحريري لموفد بطريرك انطاكيا وسائر المشرف نيفن صيقلي، إن لبنان يفتش عن وحدة أبنائه، في معظم أصقاع العالم.
وفي طريق العودة، حيث كانت طائرته الخاصة تجثم في مطار العاصمة الروسية، فاجأ دولته وفداً كبيراً كان بانتظاره: انه عائد الى الفندق، لأن وزير الدفاع الأميركي، وصل قبل ساعات الى موسكو من أجل لقاء هام معه.
لا أحد يريد تحجيم دور هذا البلد، لأن حجمه أكبر بكثير من صغائر عابرة! –