Site icon IMLebanon

لبنان يهترئ في الفوضى الإقليمية

 

 

ما يجري تداوله في بعض الأوساط حول مستقبل الكيانات في الشرق الأوسط خطير، ويؤشر إلى أنّ المرحلة السوداء التي تمرّ فيها المنطقة ستطول إلى آجالٍ غير محدّدة. فالمطلوب إسرائيلياً هو تكريس حال من الفوضى والفراغ في الإقليم، تحضيراً لأمر ما يتمّ إعداده.

خلال العقود الفائتة، كان يُطرَح السؤال على ديبلوماسيين غربيين في بيروت: في أي مدى زمني أنتم تتوقعون حلول السلام الحقيقي والنهائي بين إسرائيل والعرب، ولاسيما الفلسطينيين؟

بعيداً من الديبلوماسية، غالباً ما يكون الجواب كالآتي: في الظاهر يبدو أنّ إسرائيل متحمسة لإبرام اتفاقات سلام مع العرب، على غرار تلك المعقودة مع مصر والأردن، وأنّ العرب هم المتردّدون. ولكن الواقع هو عكس ذلك. فإسرائيل أبرمت معاهدات السلام الشكلية حتى الآن، بناءً على حاجة ظرفية. وأما الوضع المفضّل بالنسبة إليها فهو بقاء الشرق الأوسط في حال اللاحرب واللاسلم. وهي غير مستعجلة لإقامة سلام حقيقي ونهائي لا مع الفلسطينيين ولا مع أي من الدول العربية المجاورة، أياً تكن التنازلات التي يقدّمها الفلسطينيون والعرب.

 

بل إنّ إسرائيل تفضّل استمرار الحروب والاضطرابات التي تسود العديد من الكيانات العربية، لأنّها تُبقي العرب منشغلين بأزماتهم الخاصة. وهذا يعني أنّ المشكلة الحقيقية في الشرق الأوسط لا تكمن في مدى استعداد الفلسطينيين والعرب لتقديم التنازلات، بل في أنّ إسرائيل لا تجد مصلحة في السلام، إلّا بعد انهيار العرب والفلسطينيين واستسلامهم لمشاريعها.

والدليل هو أنّ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات حاول السير في طريق السلام النهائي مع إسرائيل بإبرام اتفاقات أوسلو التي انطوت على تنازل فلسطيني تاريخي، لكن إسرائيل نفسها لم ترضَ بمضمون الاتفاقات، وعمدت إلى تعطيلها أو تنفيذها بشكل مزوّر. وهذا الفشل هو الذي أوصل أخيراً إلى الحرب في غزة، ويهدّد الضفة الغربية بمصير مماثل.

 

في العقل التوسعي الإسرائيلي، مطلوب إغراق الكيانات العربية في حروبها وأزماتها، ما يمنح إسرائيل القدرة والوقت لبناء قواها، وإنضاج الحلول التي تناسبها. بل ساهم الإسرائيليون دائماً في تزكية نار الحروب والصراعات العربية. وحرب لبنان التي بدأت في العام 1975 هي النموذج.

 

والمفارقة هي أنّ هناك قوتين إقليميتين أخريين تنافسان إسرائيل على السيطرة في الشرق الأوسط، وهما إيران وتركيا. وتدور مواجهة محتدمة بين المشروع التوسعي الإسرائيلي والمشروع الإيراني الطموح. وفي ظلّ هذه المواجهة، يعيش العديد من الكيانات العربية حروباً تبدو إيران شريكة فيها كلها: من غزة إلى لبنان فسوريا والعراق، وفي اليمن حيث الخليج العربي كله مرشح للانزلاق مجدداً إلى المواجهات الساخنة في أي لحظة.

 

في تقدير بعض الخبراء، أنّ دخول إيران العسكري إلى دول المنطقة ربما شكَّل سداً في وجه الهيمنة الإسرائيلية، لكنه أيضاً أوقع العديد من الكيانات العربية في صراعات وتوترات أهلية أضعفتها وشغلتها. وهذا أمر أراح إسرائيل في المقابل.

 

وتأكيداً لذلك، لن تتخذ إسرائيل أي خطوة جدّية تؤدي إلى إنهاء الحرب في غزة. وستعمد إلى إطالة أمدها، ولو تحولت استنزافاً، حتى تحويل القطاع أرضاً محروقة لا يمكن العيش فيها. وفي الموازاة، يرجح افتعال إسرائيل للتوترات في الضفة الغربية أيضاً، ما يجعل الملف الفلسطيني برمته على صفيح ساخن لمدة طويلة. وهذا ما يقود عملياً إلى إنهاك الفلسطينيين، ويمكن أن يسمح لإسرائيل بفرض خياراتها كأمر واقع في لحظة معينة.

 

ويقول البعض إنّ الكيانات العربية التي تشهد صراعات أو توترات تدخل فيها إيران لا أفق فيها لتحقيق الاستقرار. وإذ يحرّك الإيرانيون الجماعات الموالية لهم في هذه الدول تحت عنوان مقاتلة إسرائيل، فإنّهم، على ما يقول خصوم إيران، يزعزعون الاستقرار في العديد من الكيانات العربية. ويقول بعض الخبراء: على أرض الواقع، إيران تزعزغ الاستقرار في بعض الكيانات العربية فتصاب بالانهيار، وهذه حالة مثالية تستغلها إسرائيل للاستقواء على الجميع.

 

ولذلك، ليس متوقعاً أن توافق إسرائيل على أي صفقة سلام مع العرب في المدى المنظور. وستنتظر طويلاً غرق الكيانات العربية الشرق أوسطية في حال الضياع والفوضى والدماء. وفي المقابل، ليس متوقعاً أن تقدّم إيران تنازلات لأي طرف تتقاتل معه داخل أي من الكيانات العربية التي تمارس فيها النفوذ، من لبنان إلى اليمن.

لن يجد الإسرائيليون مصلحة في إنهاء حرب غزة، بل سيستغلون الفرصة لفتح حرب في الضفة الغربية، ما يصيب الفلسطينيين بالإنهاك. وأما لبنان فعلى الأرجح سيمضي في مسار اهترائه الحالي إلى أجل غير محدّد.