Site icon IMLebanon

هل ينجح “الغاز العربي” بحل أزمة الكهرباء بعدما فشل في الماضي؟

 

إقتراح لاستجرار وقود معامل الطاقة من المملكة الأردنية الهاشمية عبر سوريا من دون التعرض لعقوبات “قيصر”

 

بعيداً من الطروحات الشعبوية لتأمين فيول الكهرباء من إيران والعراق بالليرة اللبنانية، وحماية لما تبقى من أموال المودعين من “شبح” الموافقات الإستثنائية لتغطية سلف الخزينة بالعملة الأجنبية، “لمع” حلّ علمي وعملي دولي من شأنه “كسر” حدة الظلام. فهل يؤخذ به أم “يدفن” في أدراج تضارب المصالح مع كارتلات النفط المسيطرة؟

 

في المعلومات الخاصة، عُلم أن المدير التنفيذي في “صندوق النقد الدولي” محمود محي الدين أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، عن إمكانية إستجرار الغاز من المملكلة الأردنية الهاشمية عبر سوريا من دون التعرض لعقوبات “قيصر”. الأمر الذي من شأنه توفير ديمومة تغذية معامل إنتاج الكهرباء الأساسية بالوقود الأرخص والأنظف على حد سواء. الحل المنطقي الذي “يعوم” على “بحر” التخبط بالخطط العشوائية والطروحات الشعبوية، لا يؤمن الكهرباء 24/24، إنما يخفف من حدة الأزمة ويعيد الأمور أقله إلى ما كانت عليه قبل العام 2020. كما أنه يشكل “مدماكاً” من الممكن أن تبنى عليه معامل إضافية لانتاج الكهرباء على الغاز النظيف.

 

وفر بـ400 مليون دولار

 

يوجد في لبنان سبعة معامل حرارية لإنتاج الطاقة، “إثنان منها فقط يعملان على “الغاز أويل” وهما: دير عمار والزهراني القديمان بطاقة 850 ميغاوات”، بحسب مدير عام الإستثمار والصيانة سابقاً في وزارة الطاقة غسان بيضون، و”في حال تحويلهما كلياً على “الغاز أويل” نستطيع تحقيق وفر يتراوح ما بين 350 و400 مليون دولار سنوياً، بحسب أسعار اليوم”. ومن المتوقع أن تُعتمد في عملية الإستجرار نفس الطريقة التي اعتمدت في العام 2009 لتزويد معمل دير عمار بالغاز المصري. فيزود “خط الغاز العربي” سوريا بالغاز القادم من مصر أو من مصدر آخر عبر حدود الأردن، لتعود سوريا وتضخ نفس الكمية عبر حدودها الجنوبية إلى لبنان، بما يشبه عملية “سواب” نفطي. ذلك أنه لا يوجد خط لنقل الغاز يربط الأردن مباشرة بلبنان. ومن المتوقع أن يكون الغاز المستجر إلى لبنان مصري المنشأ وأن تلعب الاردن دور الوسيط.

 

الشفافية أولاً

 

الطرح الذي يبدو سهلاً من الناحية التقنية، قد يكون الحل الأخير رغم كل المعوقات “الجيوسياسية”. فسلفة الخزينة بقيمة 200 مليون دولار لتأمين الفيول، طُلبت عندما كان سعر برميل النفط نحو 40 دولاراً أميركياً لتغطية كلفة الفيول لـ3 أشهر. أما اليوم فقد تضاعف سعر برميل البترول وارتفع إلى 75 دولاراً. وعليه لم تعد السلفة تكفي لنصف الفترة المحددة. من جهة أخرى، تحذر مصادر نفطية من أن لبنان مقبل على أزمة مازوت حادة في ظل تخصيص اعتمادات لبواخر البنزين أكثر من المازوت، وعدم فتح مصفاتي طرابلس والزهراني إلا لأيام محدودة في خلال الفترة الماضية. ما سينعكس انقطاعاً تاماً في الكهرباء لعدم القدرة على تأمين المازوت للمولدات، وبالتالي نفاد الكمية من المستشفيات والمصانع والأفران وقطاعات حيوية اخرى.

 

التطوران البالغا الأهمية اللذان يحتّمان أخذ مقترح المدير التنفيذي في “صندوق النقد الدولي” بجدية مطلقة، يقابلهما حذر من “اضطرار لبنان مرغماً على قبول أي حل في “الربع الساعة” الأخير قبل الدخول في مرحلة التعتيم الشامل، حتى ولو كان مجحفاً بحقه”، تقول عضو المجلس الإستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز “LOGI”، والخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة ديانا قيسي، و”أن يكون الإهمال المتعمد من قبل المسؤولين المحليين لكل الخطط الإصلاحية في قطاع الطاقة، هو المقدمة لـ”حشر” لبنان في “زاوية” الحلول المعلّبة والمفصلة على قياس البعض بعيداً من مصلحة الوطن. لذا، من باب الشفافية والحوكمة على المعنيين نشر كل المعلومات والتفاصيل التي سترتبط بهكذا اتفاق، وتبيان مدى صوابية الحل واستدامته، وكم يرتب على لبنان من أعباء. ذلك أن التجارب الماضية تبين أن الحلول المعتمدة تبقى موقتة، وتكلف البلد أكثر مما تفيده، وهي تشبه إلى حد ما وضع ضمادة صغيرة على يد مقطوعة”. وفي جميع الاحوال تعتبر قيسي أن “العبرة تبقى في التنفيذ المرتبط بتذليل عقبات التوصيل، وأخذ البعد الإستراتيجي بعين الإعتبار، خصوصاً أن العلاقة مع سوريا التي ستجري المبادلة بواسطتها ملتبسة، ولا يوجد إتفاق وإجماع داخلي على كيفية التعاطي معها”.

 

إخفاقات تاريخية

 

ما يؤكد صحة المخاوف هو فشل إتفاق المبادئ لاستجرار الغاز الطبيعي المصري للبنان سواء كان عن طريق فرع من خط أنابيب عبر سوريا، أو كغاز مسال ينقل بشكل مباشر بالناقلات. فالإتفاق الموقع في العام 2007 بين الجانبين المصري واللبناني لم يوضع موضع التنفيذ إلا لفترة قصيرة امتدت من تشرين الأول 2009 إلى تشرين الثاني 2011. حيث جرى في هذه الفترة نقل الغاز عبر وصلة حمص-طرابلس التي تمتد من محطة الضخ في الريان إلى بانياس بسوريا، ثم عبر أنبوب طوله 32 كم إلى مدينة طرابلس. وكان معمل دير عمار يستفيد من ضخ ما يناهز 30 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عن طريق خط الغاز العربي هذا. وفي العام 2019 فشلت رغبة وزير الطاقة سيزار أبي خليل في استئناف ضخ الغاز المصري للبنان وفقاً للاتفاقية الموقعة عام 2009. فـ”طالما الموضع له علاقة بالسياسة والحدود والجغرافيا والأوضاع الأمنية، فهذه الطريقة ممكن ألا تكون حلاً مستداماً”، برأي بيضون. أما لجهة نقل الغاز المسال بالنقلات البحرية فيتطلب مرافئ خاصة لا يملكها لبنان.

 

من جهته يعبر الباحث في الشؤون الاحصائية عباس طفيلي أن لبنان أصبح بعيداً جداً عن جو تطوير العلاقات والإتفاقيات الإقتصادية بين كل من مصر، الأردن والعراق. وبالإضافة إلى أن البلد لم يستفد منذ 13 عاماً من الإتفاق النفطي الموقع مع مصر، فهو لم يقم منذ أكثر من سنة ونصف بأي خطوة تبرهن عن جديته في هذا الملف. وعن معارضة كارتل النفط لمثل هذه الخطوة يعتبر طفيلي أنه في حال اتمامه سيرضونهم بمكان آخر، مثلما كانوا يفعلون طيلة الفترة الماضية على قاعدة “ضربة عالحافر ضربة عالمسمار”.

 

المقايضة مع البنزين

 

في مقابل التعقيدات الجيوسياسة والمرتبطة بالمصالح، يرى أحد الخبراء أن إمكانية شراء الغاز من الأردن أو مصر عبر “سواب” مع سوريا قد تكون أسهل في ظل الأزمة المخيمة على البلدين. فطالما يمكن تحييد لبنان عن عقوبات “قيصر” في حال استورد النفط من سوريا أو عبرها مباشرة، فبالإمكان أيضاً تسديد ثمنه لسوريا بالبنزين بسعر السوق الحقيقي وليس بالدولار، لتعود هي وتسدد الثمن للجهة المصدرة للغاز. وبهذه الطريقة يرتاح لبنان من عاملين إثنين الدفع بالدولار النقدي واستمرار تهريب البنزين إلى سوريا.

 

أهمية المقترح سواء نفذ أو لم ينفذ يمكن اختصارها بثلاث نقاط أساسية: الأولى هي أن الحلول التقنية لأزمة الكهرباء المستفحلة متوفرة متى تأمنت الإرادة السياسية. والثانية ان الكل يفكر بكيفية مساعدة لبنان والمسؤولين لا يفكرون إلا بمصالحهم الضيقة. والثالثة، انعدام الحاجة إلى إنشاء 3 محطات تغويز بكلفة خيالية لتأمين فيول المعامل القائمة، والتي هناك نية بتشييدها في حال عودة لبنان إلى الحضن العربي.