Site icon IMLebanon

دول الخليج العربي وإعادة الإعتبار للقضية اللبنانية

 

 

متى يُراجع حزب الله أداءه وسياساته لوقف الإنهيار وفك العزلة؟

 

بدا لافتاً حضور لبنان الواضح في جولة الأمير محمد بن سلمان آل سعود الخليجية. وإذا كانت الجولة التي بدأها ولي العهد السعودي في سلطنة عمان واختتمها في الكويت، وشملت أيضاً قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، تحمل دلالات في الإطار الخليجي والإقليمي والدولي، وقد جاءت عشية القمة الخليجية التي تستضيفها السعودية غداً الثلاثاء، وهو ما بدا من خلال المواقف والبيانات المشتركة، خصوصاً التوافق في كل المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، فإن تطابق المواقف الخليجية تجاه لبنان كان لافتاً أيضاً.

 

هكذا ظهرت القضية اللبنانيّة محل اهتمام ومتابعة في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يؤكد توجه هذه الدول لدعم لإعادة الاعتبار لها كأولوية عربية، وإدراكهم القعر الذي وصل إليه هذا البلد، لكن في المقابل، يتطلب هذا الدعم عودة لبنان إلى انتمائه العربي بعد أن سُلخ عنه ورُمي في عزلة قاتلة. ليس صدفة أن تتقاطع كل المواقف الخليجية على أولوية الإصلاح وإدانة الفساد، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وضبط الحدود السائبة لوقف تهريب الموبقات، وعدم المس باستقرار دول شقيقة بأعمال إرهابية وتخريب علاقات بيروت بالعالم، ووقف سعي الميليشيا لتحويل هذا البلد إلى دولة مارقة، وضرورة العودة للشرعيتين العربية والدولة.

 

ليس صدفة أن تتقاطع كل المواقف الخليجية على أولوية الإصلاح وحصر السلاح بيد الدولة، وضبط الحدود ومنع تهريب الموبقات، وعدم المس بإستقرار دول شقيقة بأعمال إرهابية، ووقف سعي الميليشيا لتحويل لبنان إلى دولة مارقة

 

فمن سلطنة عُمان، شدد الجانبان السعودي والعماني على «أهمية إجراء إصلاحات شاملة، تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية أو إجرامية تزعزع أمن واستقرار المنطقة»، ومن قطر أكدا «أهمية إجراء إصلاحات شاملة، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال تزعزع أمن واستقرار المنطقة أو ممراً لتجارة المخدرات»، ومن الإمارات أكدا على «ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم»، ومن البحرين أكدا «الحرص على إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وألاّ يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كـ«حزب الله» الإرهابي، ومصدّراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات»؛ماذا يعني هذا التطابق في المواقف؟ وما تنتظر العواصم الخليجية من بيروت؟ وهل الحكومة قادرة على الاستجابة لهذه الشروط وتلقف فرصة فتح ثغرة في جدار الأزمة؟

 

الواقع أن البيانات والمواقف الخليجية لا تحتاج شرحاً لوضوحها، وهي جاءت بعد سنوات من التجاوز والاستيعاب ومنح الفرص وتغليب العواطف، لكن الدول لا تُدار بـ «حبّ الخشوم» كما يقال، ولا يمكن للسلطة في بيروت، تالياً، أن تكتفي بالتفرّج على سفينة لبنان تغرق، بعد أن أشبعتها المنظومة السياسية ثقباً وتخريباً وتدميراً!

 

ثمة من يرى أن دول الخليج تأخرت في غضبتها بعد تكرار استهداف أمنها ومجتمعها وسيادتها ومصالحها، خصوصاً وأن هذه المواقف تصب في مصلحة لبنان في عروبته وتاريخه ومصالحه، وفي مصلحة اللبنانيين في سعيهم لاستعادة وطنهم وتحرير دولتهم من سلطة المافيا – ميليشيا التي أوصلت لبنان إلى العزلة والفشل والخراب، لكن ثمة ما هو مطلوب أيضاً لناحية ربط التوجهات الخليجية بالمطالب اللبنانية السيادية، لإقناع القوى العالمية بالضغط لتحقيق خرق حقيقي في جدار الأزمة، من خلال إحداث تغيير جدّي يُبنى عليه في معركة تحرير لبنان وإعادة بناء سلطاته ومؤسساته. وهذا الأمر ممكن من خلال آليات ضغط عديدة، وخيارات متنوعة ليست خافية على كل المهتمين بالشأن اللبناني من القوى الكبرى. إن ربط معركة التحرير بالشعب اللبناني المتعب، والاكتفاء بالتفرّج عليه يموت ببطء، على غرار المعزوفة الأوروبية – الأميركية، مُريبة وتحمل في بذورها إعادة منح المنظومة المتحكّمة فرصة لتجديد شرعيتها بعد أن دمرت البلد بفسادها وتحالفها مع السلاح! المسألة باتت واضحة لدى الدول العربية ولدى الأسرة الدولية.

 

لا أحد من اللبنانيين يريد حرباً أهلية، لكنهم جميعاً يريدون الحياة والمستقبل والأمل وأحسن العلاقات مع عمقهم وتاريخهم العربي، ولهذه الأمور شروطها المعتبرة، وهي تحديداً ما أشارت إليه البيانات الخليجية، وسبق أن التزم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته السعودية كشروط ومداخل لعودة لبنان إلى الشرعية والتعافي والدور والرسالة والبحبوحة، وما عداه سرابٌ وكلام.

 

ثمة مشكلة حقيقية تتمثل بأن «حزب الله»، ومن ورائه إيران، لا يريدون ملاحظة، أو هم لا يقيمون وزناً أصلاً، لا للانهيار اللبناني، ولا لوجع الشعب، ولا لتحلل الدولة، ولا لمواقف المجلس الشرعي أو البطريرك الراعي أو المطران عودة، من تعطيل مجلس الوزراء (والدولة والعدالة) زوراً في بلد جائع ومفلس ومظلم ومكلوم، ومن عرقلة مسار العدالة والتحقيقات في جريمة تاريخية، ولا يريدون إدراك أن تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية في دول العالم له تداعيات تمسّ كل لبنان وكل اللبنانيين، ولا يريدون رؤية المواقف العربية الجديّة الرافضة لاستمرار خطف لبنان ورهنه بمحور خارجي، وهي تربط مساعدته بتحرير دولته وقراره الوطني. آن للحزب أن يُجري مراجعة حقيقية لسياساته وأدائه وفق أولويات المصالح الوطنية الداخلية، وليس أي أجندة خارجية، فهل يفعل؟