IMLebanon

الهوية العربية المستهدفة: أنتم جميعاً… لماذا تكرهوننا؟

عادةً يقال: يجب الحذر من الاستنتاجات النظرية الكبرى إذا لم تخضع لكثير من البحث والمستندات والمعطيات، تحاشياً لخطر الوقوع في اللاموضوعية وبتعبير آخر في اللايقينية.

فكّرت كثيراً في هذا الأمر، وما وجدت محاذير من الدخول في العملية الاستنتاجية الشاملة وليس الشمولية، ومن تجاوز المتعامل مع المشهد العربي اليوم خارج منطق الموضعية والجزئية، اعتقاداً مني أنه بات أمام الوعي العربي كمٌّ من المعطيات والأبحاث والوقائع والآلام ما يتجاوز مستلزمات النضوج لصياغة الرؤية والتصور.

ودخولاً في الموضوع وبرهبة عالية، أعتقد أن العالم العربي أو الشعوب العربية، وفي شكلٍ أدق، مسألة الهوية العربية، تتعرض لهجوم عنصر حي يهدف إلى سحقها ومحقها، أولاً نتيجة لأحقاد تاريخية وثانياً طمعاً بمصالح ومكتسبات، وبالأساس فشلها الذريع ببناء الدولة الوطنية.

وهذا الهجوم خالٍ من كل معايير الأخلاق والإنسانية، سنده الأصلي تصفية حساب مع مسألة الانتماء العربي، بلداناً وشعوباً وأدياناً ومذاهب. طالما هي تنطلق أصلاً من قاعدة أسبقية الانتماء العربي فهي هدف للتدمير والمحق، وهذا الهجوم المدبّر بإحكام يقيني أن مكوناته أربعة:

أولاً الفرس.

ثانياً إسرائيل، وهي تريد وتسعى لتتحول إلى دولة يهودية دينية.

ثالثاً وطبعاً، العرّاب الأكبر والراعي الأوحد الولايات المتحدة.

ورابعاً، وهو خطيرٌ جداً، حال الانحطاط التي يعيشها الوعي العربي شعوباً ودولاً مع ندرة من النخب والقادة الرؤيويين، ناهيك عن غياب المثقفين والمؤسسات الثقافية.

أما «داعش» وأخواته، فما هي سوى حصان طروادة، تم ترويضه جيداً وتدريبه وتربيته وتأهيله في اسطبلات القوى الثلاث، وأطلق بيننا في صورة «إسلام» مصنّع معلّب وهجين، واعتمدوه ليكون رأس الحربة في مواجهة الانتماء العربي. وهذا دهاء وخبث، أين منه دهاء الشياطين وخيبة التوراة؟ جاؤونا بإسلام افتراضي لينقض على الهوية العربية، ويقيني أنه انتقام تاريخي، انتقام من بداية محاولة الإسلام إخراج العرب من الجاهلية، يوم خرج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليعلن الآية: إنّا أنزلناه قرآناً عربياً.

أول ما فعله الإسلام، رفع من شأن العروبة وأخرج العرب من الصنمية إلى التاريخ.

الفرس حتى هذه اللحظة لم يغفروا للعرب أنهم أدخلوا على حضارتهم وإمبراطوريتهم الفارسية العروبة والإسلام. الفرس لم يغفروا حتى الآن لليونان، للإسكندر، فلا أحد يدري أين قبره.

أما اليهود، فبالمبدأ ليس للعرب تاريخ عداء استثنائي معهم، الخطيئة الأصلية للإسلام أنهم جاؤوا إلى القدس، وكان فيها شعب عربي – الشعب الفلسطيني البريء مما أصاب اليهود من تشريد في العالم؛ والفلسطيني عربي والقدس مدينة مقدسة لدى العرب.

العالم اضطهد اليهود وطاردهم وارتكب الجرائم والمذابح بحقهم وهذا أمر لا يد لنا فيه. تجمعوا من مشارق الأرض ومغاربها وجاؤونا غزاةً، وحقدهم على العالم وعلى أنفسهم استبدلوه بحقدٍ على الانتماء العربي والوجود العربي. ويجهدون بكل ما لديهم من عقد وخبرة وإمكانات أن يجدوا الشفاء عبر تحويل أنفسهم إلى جلادين منظمين للمحارق بحقنا، جاهدين لتحويلنا ضحية يمارس عليها ما مورس عليهم في مرحلة الشقاء الطويلة.

أما الأميركي، فلحظة الشبهة ولدت يوم طرحوا السؤال حولنا عام 2001، في 11 أيلول (سبتمبر) طرحوا السؤال بشمولية وبشبهة تطالنا كهوية عربية – لماذا يكرهوننا؟

بحثوا ونقبوا وكتبوا، ولسخرية القدر كان الجواب الذي لم يبوحوا به سؤالاً آخر، في شكل آخر صحيح ومعكوس – لماذا نكرههم؟

واليوم يحق لنا بعد كل الذي نراه ونعيشه ونعايشه يوماً بيوم ومن دون مبرر، يحق لنا أن نسألهم – لماذا تكرهوننا؟ وفي الواقع نحن نطرح السؤال بحرقة، لأنه ليس هناك من سبب. لم يتبق شيء لم نحاول أن نفعله من أجلهم، وصدقاً نريد صداقتهم لأننا ندرك أننا نعيش في هذا العالم ومصالحنا معهم، وهذا أمر تعلمناه من الكوارث ومن التاريخ ومن الآخرين زمن الواقعية العقلانية.

ولكن، ما العمل ولماذا يكرهوننا؟

قوى الحقد هذه، وربما غيرها، وتوسيع الاتهام ليست ناتجة من عقدة الاضطهاد، وتستطيع أن تهزمنا عسكرياً، ولكن الحقد التاريخي والخبث يريدان أن يجعلا منا بشراً بلا هوية وبلا وجدان، بلا تاريخ وبلا حضارة. لذا صنعوا إسلاماً افتراضياً ليذبح الهوية العربية. يريدون فك الارتباط بين الإسلام كمكون حضاري عربي أو كأحد المكونات الإنسانية للحضارة العربية؛ أن تذبح الحضارة العربية باسم النبي الكريم محمد النبي العربي ورسول إسلام يتسع لكل البشر. أما أن يحاولوا أن يصنعوا إسلاماً هجيناً ليذبحوا انتماء الإسلام العربي، انتماء النبيّ العربي، فهذا قمة الخبث.

حديثاً، أرسلوا لنا إسلام الإرهاب، إسلام الذبح، إسلام التكفير، إسلام البربرية. وحقيقة، هو يضرب فعلاً تاريخنا ويشوّه كل انتماءاتنا. وسابقاً أتونا بنظام فارسي ملتح عصبوي إرهابي ويلبس لبوس المجوس، ولم يكن له هدف سوى الطمع بالثروات والثأر من التاريخ. اكتملت الحبكة!

وتشكلت الأحلاف الدولية الآتية لتخليصنا من الإرهاب الذي دبروه ودربوه. أكثر من ثلاثين دولة وعلى رأسها أميركا وبقيادة أميركا، واستثنوا من الحلف دولتين: إسرائيل، لأنهم لا يريدون جرح مشاعرنا، وايران، لأنها كذلك دولة إرهابية وشيعية، أما البرابرة الجدد فسنّة. رغم تبرؤ كل مراجع الدين الإسلامي والدول العربية منهم كمسلمين، واعتبارهم عملة مزورة وبرابرة حصان طروادة.

قلنا لنر! فإذا بحلف الدول المتطورة، ومن تحت الطاولة، ينسج أحلافاً ويلعب أدواراً مجازة، وباتت واضحة لعبة دعم البرابرة، وهي تتمدد على الأرض وتمسك بخناق العواصم العربية وتملأ الدنيا بميليشيات جل ما تسعى إليه هو تدمير هويتنا العربية.

والأسلحة الخيالية للدول الهائلة تقصف البرابرة، فتقتل العشرات لترفدهم ايران نتيجة اضطهادها للعرب بالآلاف، ولا ندري كيف حصلت فجأة هجرة معاكسة من الغرب إلى أحضان البرابرة، وحتى الآن لا أحد يستطيع فك شيفرة هذا اللغز، على كلّ، بعد الموصل والكويت وسورية واليمن، لا داعي للتبصير.

إسلام الفرس، وتحت غطاء الدين والإجرام والاغتيال، يريد تقويم الإسلام العربي وبوسائل دنيئة وقد بدأ يحفر بالذاكرة ليستحضر أحداثاً مر عليها 1400 سنة. وهو مصرّ أن يسرق منا أعظم الرموز العربية المسلمة ليقاتل العربي باسمها، يحاول سرقة الإمام علي صاحب «نهج البلاغة» وفارس العرب والإسلام، وسرقة الإمام الحسين… وتطول اللائحة. هؤلاء رموز مقدسة عربية لا علاقة لك بهم يا ابن فارس، أنت وأتباعك ممن تفرسنوا. المسيحيون العرب عرب مسيحيون، وكذلك الدروز وكذلك الشيعة وكذلك الجميع. الدين لله والهوية لنا. ماذا تفعلون في بيروت؟ ماذا تفعلون في سورية يا حزب الله، أيها الحرس الثوري الايراني؟ «داعش» في الرقة! ماذا تفعلون في درعا على حدود الأردن؟ ماذا تفعلون في عدن؟ في بغداد؟

أحياناً زلّة اللسان أهم من أطروحة. وفي ذروة الحماسة قال السيد حسن نصرالله نتاجكم المفضّل: انتبهوا والله الدواعش يستهدفون مكّة والمدينة وسنقاتلهم هناك.

مكّة المكرمة والمدينة المنورة هما البيئة العربية التي انطلق منها الإسلام ووصل إلى بلاد فارس. أتريدون الأخذ بالثأر؟

المسألة ليست مسألة إسلام هي مسألة هوية عربية.

إندونيسيا أكبر دولة مسلمة، لا تعني لكم شيئاً. وغيرها وغيرها.

افرحوا يا أبناء صهيون وافرحوا يا أبناء داريوس، افرحوا، نحن في كبوة والمعركة طويلة، معركة انتماء ونحن لم نردها!

حتى على إسرائيل عرض الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود من بيروت سنة 2002، صلحاً مشرفاً وسلاماً للجميع. نحن كنا نرغب وعبّرنا ألف مرة عن رغبتنا بإقامة علاقات تكامل ومصالح متبادلة مع كل المحيط، ايران وتركيا وغيرهما.

ولا بد أن يقف قائد في الجامعة العربية، ليس ليعمل على قومية عربية مغايرة للواقع والتاريخ، قائد رجل، أو رجال يستجيبون لتحديات التاريخ والانتماء العربي والحضارة العربية. حينها لن نثأر من أحد، ولكننا سنرغمكم على علاقات ندية ومحترمة وسنعيد الكرامة لشعوبنا والخشوع لضحايا ضعفنا وانهيارنا.

ألا ترون؟ ولا أريد أن أُفهم خطأ، في كل هذه المذبحة وقفت الدول في شكل صادق مع الأكراد. نحن نفرح لهم. وحق لنا أن نغضب من سلوك العالم تجاه الإنسان العربي، هذا السلوك المخزي المخاتل الكاذب الحاقد والشامت. لا نريد عداوة أميركا والغرب، ولكن لماذا تكرهوننا؟ تكرهوننا كعرب كما كرهتم من قبل وربما الآن «السود».

أهذا هو العالم الجديد القادم؟ أما نحن العرب فلا عذر لنا تجاه التاريخ، فليخرج واحد، عشرة، مئة ويقول: كفى خنوعاً، كفى عاراً!

لن نسمح لأفاعي العالم أن تسخر من الهوية العربية والبلدان العربية والإنسان العربي والثروات والدين الإسلامي العربي.

نبي الإسلام سمّاه، فلا تسمحوا لهم بوضعه في وجه حضارتنا وهويتنا. نحن لسنا منغلقين، نحن لسنا حاقدين، ولكنهم كذلك.

صدام حسين كان ديكتاتوراً ولكن الحرب على العراق حصلت بادعاء كاذب حول وجود سلاح دمار شامل لا وجود له، ودمروا العراق ودمروا المجتمع وأدخلوا الفرس في المعادلة.

والهجوم الجديد الذي ينذر بشؤم كبير يحصل تحت مظلة حوار مع ايران حول المسألة النووية، حوار يرافقه هجوم بربري من كل الاتجاهات. سيادة الرئيس، رئيس مصر العربية، الشعب المصري أسقط كابوس الارهاب بإسم الاسلام، وأنت كنت حصناً لهم ودرعاً، كنت بجانبهم وأنقذتنا من مؤامرة. لكن رجاءً، نريد أن نرى جموع الثورة التي طالبت بك، نريد أن نلمس وجودها في الشارع، فهذا الأمر سيسهل عليك أن تكون فارساً عربياً بامتياز.

أنت، واعذرني لو كلّمتك بالمخاطب والمباشر، وجلالة ملك السعودية وملك الاردن ومعكم قوى تواجه منفردة كلٌ في بلده، نطالبكم بجبهة واحدة تضم قادة الدول، قادة كافة القوى التي تواجه الهجوم الخطير على هوية بلداننا وشعوبنا وإنساننا، ليصدر من الجامعة العربية صوت لكل مدافع عن إنساننا في هذه المعركة اللئيمة وبعدها تتشكل غرف عمليات ومطابخ.

إن جديتنا اليوم سيصل صوتها للقوى العظمى، ونحن نريد أن تعدل خياراتها وأن تبني مصالح مشتركة مع العالم على أساس الاحترام المتبادل. الأمر لا يحتمل التأخير، أنقذوا الانسان أولاً، ولكن أنقذوا ما تبقى من حلب، من حماه، من حمص، من درعا، من بغداد، من الموصل، أنقذوا ابن رشد، ابن خلدون. ألم تختنقوا البارحة غيظاً حينما دخل الأتراك بدباباتهم وجندهم لينقذوا سليمان شاه؟ لم يأخذوا معهم طفلاً جريحاً!

هجين الإسلام الداعشي والفارسي – وهم واحد – يبيعون تاريخنا، آثارنا إلى شذاذ الآفاق. أنقذوا أقدم مدينة في العالم، أنقذوا الشام من براثن تيمورلنك.

لا تخافوا على الإسلام، الإسلام أكبر من قدراتهم، إنهم يتنكرون ويزوّرون بعض الإسلام لذبح الهوية العربية، الحضارة العربية، الانسان العربي. يريدوننا أن نكره أنفسنا كعرب لا أكثر ولا أقل. وبعدها على ركامنا يبنون أهرامات رواياتهم المزورة، ولكن الحقيقة ستنتصر!