هل ينتظر لبنان فعلاً الرد العربي على المبادرة الخليجية العربية الدولية التي حملها الى بيروت وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، فيما يدرك المسؤولون الذين تولوا صياغة الإجابات التي حملها وزيرالخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب أنّ تعابير الإجترار والتهرّب من المسؤولية والدوران على الذات التي استُخدمت ليست سوى وسيلة لشراء الوقت؟
الإجابة الناقصة والملتبسة هي أفضل من اللارد، وهي أفضل بكثير من تكرار مواقف شعبوية لا طائل منها، واللغة المستخدمة لم تكن خروجاً على المألوف أو أقل تسويفاً من اللغة المستخدمة لمخاطبة اللبنانيين في البيانات الوزارية والمؤتمرات الصحفية التي تعقد بمناسبة أو دون مناسبة. الإجابات اللبنانية كانت قريبة الى درجة التماهي مع المفردات الإيرانية الضبابية المستخدمة في مداولات فيينا حول الإنفاق النووي، مع فارق نوعي أنه لم يعد للبنان الرسمي ما يملكه أو ما يفاوض عليه.
وبانتظار الرد العربي يبقى التساؤل حول توقيت المبادرة والهدف من اختبار الدولة اللبنانية ــ في ما لا قدرة لها على الإجابة عليه أو مناقشته ــ ينتظر إجابات مشروعة، في ضوء الوضع العربي الحرج من اليمن الى بيروت مروراً بسوريا والعراق وامتداداً حتى الإمارات العربية المتّحدة، وفي ضوء تعليق مفاوضات فيينا، الأمر الذي يستدعي من الجامعة العربية تقديراً دقيقاً للموقف الجيوسياسي والميداني وتقييماً لميزان القوى ورسماً للحدود بين الحلفاء والخصوم في ظلّ سياسة خارجية أميركية ضبابية ومجهولة الأولويات. كذلك فإنّ الرهان على نجاح المراوحة اللبنانية واستمرار التهرّب من المسؤولية لإستدراج الدول العربية إلى طاولة مفاوضات إقليمية لمناقشة تنفيذ القرار الدولي 1559 وسلاح حزب الله، هومن قبيل التذاكي الخائب ورهان في غير موقعه. فالتجارب السابقة التي استندت إلى ضبط الصدام بين الدول العربية وإيران ضمن الساحة اللبنانية قد ثبت فشلها، كما أنّ النزاعات القائمة وطموحات النفوذ على امتداد الإقليم وتنامي القدرات العسكرية لدى دول المنطقة يجعل من المستحيل إستعادة الظروف الموضوعية لتكرار التجربة.
لقد أحاطت المبادرة الكويتية بكلّ جوانب الأزمات اللبنانية مع المجتمعين العربي والدولي، وبأزمات الحوكمة الفاشلة التي اعتمدتها السلطة والتي شرّعت حدود لبنان ومرافئه للتهريب وفاقمت الفساد وحوّلت مداخيل الدولة الى مال سياسي بتصرف منظومة يديرها حزب الله. بدورها فقد لخّصت المبادرة مضامين القرارات الدولية ووثيقة الوفاق الوطني وإعلان بعبدا وصولاً حتى مؤتمر سيدر، والتي نُفذت بمجملها بطريق جزئية أو مشوّهة تبعاً لميزان قوى إقليمي لا يزال قائماً، وإن تغيّرت أو تبدّلت أدوار مكوّناته. والتساؤل الموضوعي حيال محاولات تعديل المشهد اللبناني هو: ما هي الظروف المؤاتية التي يمكن أن تنضح بها الإجتماعات المقبلة لجامعة الدول العربية والتي قد تؤدي إلى تعديل الموقف اللبناني، وضمن أي إطار؟
تقف الجامعة العربية بلا شك أمام جملة من الإستحقاقات الحرجة، فالقصف المتمادي لكلّ من المملكة العربية السعودية ومؤخراً لدولة الإمارات العربية المتّحدة لا يمكن أن يبقى خارج جدول أعمالها وهي لا يمكن إلا أن تتّخذ موقفاً موحداً يتجاوز الموقف اللفظي بالإدانة. وموقف الجامعة سيأخذ بعين الإعتبار الموقف الأميركي المتضامن مع الإمارات والقرار الأميركي بتحرير شحنات الأسلحة والذخائر للمملكة العربية السعودية، كذلك الموقف المحوري المصري الذي أكّده الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لدولة الإمارات بتقديم دعم غير نهائي وغير مشروط للحفاظ على الأمن القومي الإماراتي. هذا بالإضافة أنّ الشأن العراقي كذلك سيكون محط إهتمامٍ ومتابعة وتحديداَ فيما يتعلّق بأزمة تشكيل السلطة وتداعياتها الأمنية التي عبّرت عنها سلسلة هجمات لفصائل تابعة لطهران، كان آخرها القصف على مطار بغداد الدولي. كذلك فإنّ أمن الحدود الأردنية السورية لن يكون غائباً عن مداولات الجامعة العربية وتحديداً فيما يتعلّق بالمحاولات الحثيثة لاختراقها من قِبل مهرّبي المخدرات التي يتشارك تصنيعها في سوريا حلفاء طهران وقادة النظم السوري وتوجه الى دول الخليج.
كلّ ذلك يضع لبنان في صدارة المشهد العربي ليكتسب الوضع اللبناني بُعده الإقليمي في تقييم ميزان القوى وفي المسارات والخيارات المطروحة، كيف لا، وهو الحاضنة لأقدم الأذرع العسكرية الإيرانية وأحد مصادر تمويلها في الداخل والخارج. بهذا المعنى تسقط الإعتبارات اللبنانية المزعومة وتسقط كلّ محاذير التلويح بانقسام داخلي أمام صراع بقاء يخوضه الإقليم برمّته. فهل يتيح عجز الدولة عن الإلتزام بموجبات الصراع المقبل القفز فوقها ودعوة اللبنانيين للإلتحاقبأحد الخيارات المتاحة، وبالتالي إلتزام الرد على المبادرة الخليجية بمفردات لبنانية وليس بمفردات إيرانية.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات