IMLebanon

القمة العربية الإسلامية: دعوات لوقف العدوان وإطلاق عملية السلام

 

العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزّة والشعب الفلسطيني مستمر، ولا يبدو أن القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض بمقرراتها ودعواتها الطوباوية لوقف العدوان وإطلاق عملية السلام، قادرة على إحداث متغيّر ما لصالح الإنسانية وحق الحياة في مواجهة حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ولا في تشكيل الضغط الكافي على الولايات المتحدة الأميركية لينزع رئيسها الصهيوني جو بايدن قناعه النتن والبشع في هذه الحرب الإنتقامية ويستبدله بقناع أميركي أقلّ بشاعة وأكثر قدرة على محاكاة الضغوطات الشعبية في العواصم الغربية في أميركا وأوروبا، والرأي العام العالمي الذي تحوّل بالكامل تقريباً نحو إدانة الحرب والمجازر والحصار الخانق والقاتل بحق المدنيين، وجُلُّهم من النساء والأطفال.

وعلى أهمية مقررات قمة الرياض وإدانتها العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ومطالبتها بضرورة وقفه فوراً، تبقى الآلية الدولية لوقف العدوان غائبة بعد ٣٦ يوماً على بداية هذه الحرب الإنتقامية، والتي عبّرت القمة عن رفض توصيفها بالدفاع عن النفس، ورفض تبريرها تحت أية ذريعة، وضرورة كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية، ودعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي. وكذلك أدانت القمة تهجير حوالي مليون ونصف فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، ودعت إلى التصدي للنقل أو التهجير القسري أو النفي أو الترحيل للشعب الفلسطيني.

 

ويكمن التحدي الكبير في عجز مجلس الأمن عن تلبية مطالب القمة في اتخاذ قرار حاسم وملزم لوقف العدوان الإسرائيلي في ظل الدعم الأميركي المطلق لكيان الاحتلال واستخدام حق النقض في مواجهة أي مشروع قرار لا ترضى عنه واشنطن، ولو كان ذلك لإدانة تدمير المستشفيات ومنع إدخال الدواء والغذاء والوقود، وقطع الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية وخدمات الاتصالات والإنترنت والطوارئ. وهذا مثال صارخ على إزدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي. وهي ذات الازدواجية في التعامل مع قضايا الأسرى والمعتقلين والمدنيين، والإرهاب الذي يمارسه المستوطنون، والاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وجميع الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية لتكريس الاحتلال.

 

من المطالب البارزة أيضاً في مقررات القمة، مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر الى سلطات الاحتلال، ومطالبة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية باستكمال التحقيق في جرائم إسرائيل، والمطالبة بإدانة الأفعال وتصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية وتهديد أحد الوزراء في الحكومة الإسرائيلية باستخدام السلاح النووي، وإدانة قتل الصحفيين والأطفال والنساء واستهداف المسعفين واستخدام الفوسفور الأبيض والأسلحة المحرّمة دولياً، وضرورة تحرّك المجتمع الدولي فورياً لعملية سلمية على أساس حل الدولتين، والتأكيد على أن عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية ستكون له آثار خطيرة على الأمن والسلم الدوليين.

 

أما خلاصة الموقف السياسي للقمة في التعامل مع مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فهو ينطلق من التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة الفصائل والقوى الفلسطينية للتوحد تحت مظلتها وقيادتها. ويقوم هذا الموقف على التمسّك بالسلام كخيار استراتيجي، والتمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002، ورفض أية طروحات تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، والدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في أقرب وقت ممكن، وتنفيذ حل الدولتين. ويتضح من ذلك أن هذا الموقف العربي والإسلامي الجامع مع تحفظات بعض الدول ما زال يصطدم بعوائق على مستويات عديدة تجعله صعب التطبيق في المرحلة الراهنة:

• المستوى الأميركي الداعي إلى حل الدولتين دون القيام بالضغط الكافي على الجانب الإسرائيلي للقبول بهذا الحل. وتناغم إدارة الرئيس الأميركي بايدن مع جدول زمني مفتوح للعمليات الإسرائيلية لا تنفيه بعض التصريحات الأميركية التي تدعي حرصها على المدنيين الفلسطينيين في وقت تؤكد فيه على دعمها الكامل لإسرائيل دبلوماسياً وعسكرياً وعدم تدخّلها في كيفية دفاع إسرائيل عن نفسها على حد قول نائب الرئيس الأميركي كامالا هاريس.

• المستوى الإسرائيلي اليميني المتطرف الرافض لحل الدولتين، والغارق في حرب وجودية جديدة تخوضها حكومة بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني. حرب إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى حيث بلغ عدد الضحايا في اليوم السابع والثلاثين من الحرب حوالي ١٢٠٠٠ شهيد و٢٨٠٠٠ جريح. وتم تدمير المستشفيات كلياً أو جزئياً حيث توقفت ٢٢ مستشفى و٤٩ مركزاً صحياً عن العمل في غزة، وكذلك دمّر الاحتلال ٧٠ مسجداً تدميراً كلياً و١٥٣ مسجداً تدميراً جزئياً، وكذلك دمّرت ثلاث كنائس.

• المستوى الفلسطيني الذي تمثله حركة حماس من خلال حكمها لقطاع غزة وتحالفها مع إيران ومحور الممانعة وتبنّيها لخطاب إزالة إسرائيل على حساب السلام وحل الدولتين الذي تطالب بتنفيذه السلطة الفلسطينية المعترف بها وغالبية الدول العربية والإسلامية وفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهو ما يستلزم إنهاء احتلال إسرائيل لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية، وتجسيد استقلال دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في تقرير المصير، وحق اللاجئين في العودة والتعويض وحل قضيتهم وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤ للعام ١٩٤٨.

• المستوى الإنساني الكارثي بسبب الحرب الهمجية والإنتقامية من الشعب الفلسطيني، حيث يصعب ويستحيل إطلاق عملية السلام من جديد في وقت فاق فيه حجم القتل والدمار والوحشية كل التصورات، وحيث لم يعد هناك من مكان آمن، لا في مستشفى، ولا في مدرسة أو مركز تابع للأمم المتحدة، ولا في شمال قطاع غزة ولا جنوبه. تهجير قسري ودمار شامل واستعمال أسلحة محظرة دولياً، وتهديد باستخدام السلاح النووي على غزة، وبإعادة لبنان إلى العصر الحجري.

• المستوى الدولي والأممي لا يبدو أيضاً أنه جاهز لإطلاق مسار فوري للسلام على أساس حل الدولتين، وإن كانت غالبية أعضاء الأمم المتحدة مع هذا التوجه. ولكن تبقى الصعوبة والعبرة في التطبيق تحت مظلة الأمم المتحدة. ولا شك في أن الحرب (الروسية الناتو-أوكرانية) قد ساهمت في وضع هيئة الأمم المتحدة بجمعيتها العامة ومجلس الأمن فيها أمام تحدّيات كبيرة من شأنها تهديد إمكانية اتخاذ القرارات الإنسانية في الحد الأدنى بسبب الإمعان في استخدام حق النقض على نحو غير مقبول، وبما يهدد السلم والأمن الدوليين بشكل خطير، وهو ما يضع مصير المنظمة العالمية نفسها على المحك. وأخيراً فقد شاهد العالم ردود الفعل الإسرائيلية التي طالبت بإقالة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد تصريحه عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي الخانق، وأن هجمات حماس لم تأتِ من فراغ ولا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي.