Site icon IMLebanon

خطوة ضميرية للمطبِّعين.. فمن يبادر؟

 

ثمة ورقة ضغط لو جرى الأخذ بها من جانب الذين إرتأوا بعد الكثير من التأمّل والتطورات والصراعات والضغوط المستترة وأحياناً المكشوفة من جانب رؤساء تعاقبوا على البيت الأبيض بدءاً بالرئيس جيمي كارتر وصولاً إلى الرئيس جو بايدن، الإنخراط في تجربة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أن تهدىء من الجموح المتوحش لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والذين ينفخون في نار مشروعه الذي يذكِّرنا بمشروع إسرائيل شارون والمستهدِف الأخذ بالإبادة ما أمكن إستمرارها في قطاع غزة وفي مناطق من الضفة الغربية المحتلة.

ما نقصده بورقة الضغط هذه أن يتداعى الذين اختاروا التطبيع مع إسرائيل إلى لقاءات تشاورية تفضي إلى لقاء على مستوى وزراء الخارجية فإلى عقد قمة تناقش التطورات التي حدثت ولا تزال في حق الشعب الفلسطيني وتخرج من هذه القمة التشاورية بقرار موحّد يطالب إسرائيل نتنياهو بوقف عدوانه الذي لا عدوان يماثله. كما أن الدول المشاركة في القمة ترى تعليق حالة التطبيع التي حدثت إلى أن تتجاوب إسرائيل فلا تتواصل العمليات الحربية التي طالت وتنوّعت شراستها، وإلى ذلك تطلب هذه القمة التشاورية موقفاً واضحاً وثابتاً من جانب الإدارة الأميركية والحكومات الأطلسية التي غضَّت الطرْف عما تفعله إسرائيل. وعندما يستعاد الرشد الإسرائيلي ينتهي التعليق ويبدأ التشاور في موضوع التعمير الذي يقع واجب الأخذ به على الجانب الذي اعتدى وهي هنا إسرائيل وعلى الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية الأطلسية التي شجّعت أو إلتزمت الإدانة المطلوب تسجيلها. كما أن هذه الإدارة وتلك الحكومات بصمتها المريب عن أفعال إسرائيل على مدى أشهر وما زال العدوان متواصلاً أحدثت صدمة في نفوس الرأي العام العربي في شكل خاص وإلى درجة أن الشعور السائد في المجتمعات العربية قائم على قاعدة أن أفعال العدو الظالم هي توأم المشجع على الظلم أو الساكت عليه. وكلما تعمق هذا الشعور في النفس كلما إنعكس مزيداً من الحذر العربي من الدول التي تركت إسرائيل نتنياهو تمارس من أفعال العدوان أشدّها ولا تضع حدّاً لها، كما لا تأخذ في الإعتبار أن دولاً عربية وأفريقية أخذت بخيار التطبيع مع إسرائيل على أساس أن هذه الخطوة ستساعد على نشر السلام في المنطقة فيما الجانب الإسرائيلي وبموجب ما جاء في بنود إتفاقيات التطبيع لا يلتزم ويمارس العدوان متسلحاً بأن دولاً عربية وأفريقية ذات وزن إقليمي وإهتمام دولي بها رفعت راية التطبيع وطوت بذلك صفحة الصراع وهذا إفتراض خاطئ ذلك أن التطبيع كان إبداء حُسن نية وتهيئة ظروف لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي ودفعاً بإتجاه إقامة دولة فلسطينية التي من شأن قيامها نشر السلام والإستقرار في المنطقة. ولو أن ذلك ليس وارداً لما كانت هذه الدول التي أخذت بخطوة التطبيع ستقْدم على ما جنحت نحوه بدءاً من الخطوة التي أقدم عليها الرئيس (الراحل) أنور السادات بعد زيارة قام بها (1977) إلى القدس وألقى خلالها في الكنيست الخطاب الذي إفترض أنه سينهي من خلال محتواه الصراع العربي – الإسرائيلي لكنه كان وما تلا خطوات رعاها الرئيس جيمي كارتر وإنتهت ﺒ «إتفاقية كامب ديفيد» عام 1979، الذريعة التي تسببت في إغتياله. لكن ذلك لم ينه التوجه نحو التطبيع وتحت وطأة الذين خلفوا كارتر في الترؤس وبالذات بيل كلنتون وباراك أوباما وجورج بوش أباً وإبناً وجوزف بايدن ودونالد ترمب الذي تساوى بالمداهنة والتنازلات ومنها «إهداء القدس والجولان» لحليفهما نتنياهو مع بايدن في جعل إسرائيل نتنياهو بالذات تنسف روحية التطبيع من أساسها وتتسبب بشعور صادم للذين ساروا على درب التطبيع بدءاً من الذين تعاقبوا على الحكم في مصر وصولاً إلى الممسكين بمقاليد الحكم في كل من المغرب وموريتانيا والأردن ودولة الإمارات والبحرين والسودان وبنسبة ملحوظة قطر وسلطنة عُمان. وهذ المرجعيات لديها من الشأن المعنوي والمادي وثبات العلاقات مع دول أفريقية وإسلامية إستبقت التطبيع مع إسرائيل وأبرزها تركيا، ما يجعلها تبدأ التشاور مع الصديق الأميركي الذي جعل من البيت الأبيض ومن الكونغرس متراساً معنوياً وسياسياً ودعمياً لحرب الإبادة والتجويع يواصل بها نتنياهو رهانه الخاسر. ولا بد في حال رأى الذين طبَّعوا تعليق خطواتهم على أن يتفهم الأصدقاء خطوتهم هذه.

 

كان هنالك في الستينات سلاح عربي تمثَّل بقرار «مقاطعة إسرائيل». لم يحقق هذا السلاح الغرض بما فيه الكفاية لأنه لم يتطور وبقي الصراع على حاله إلى أن جاءت مبادرة السلام العربية (بيروت 2002) تفتح باب السلام العربي – الإسرائيلي بنوايا طيبة في حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. بدل أن يقرأ الغرب الأميركي – الأوروبي الخطوة بعقل مفتوح ويقول للإسرائيلي ما معناه تلك هي الحل الذي ينشر السلام في المنطقة ويثبِّت دولة يهودية على أرض عربية، فإنه أصغى إلى الذين يمثلهم منطق التصهين وتطلعات نتنياهو كما رهان ارييل شارون من قبل.

لم يبقَ سوى موقف القادة العرب والمسلمين الذين لا بد أحرج نتنياهو خطوات تطبيعهم وقرأ نواياهم بما يريد وليس بما من واجبه والذين سبقوه في ترؤس الحكومة الإسرائيلية الرد على تحية التطبيع العربية بمثل جوهرها وليس بالفعل الشرير على نحو ما هو مستمر الحدوث في حق البشر والحجر والإبادة كما لم تحدُث إبادة بهذا الحقد من قبل.

 

هل يبادر أحد الكبار الثلاثة في الأمتين الملك محمد السادس والرئيسان عبد الفتاح السيسي ورجب طيِّب أردوغان إلى خيار التشاور مع سائر القادة الذين جنحوا للتطبيع ويتم عقد قمة في القاهرة كتلك التي سعى إليها الرئيس (الراحل) حسني مبارك واتخذت موقفاً حاسماً بالنسبة إلى الغزوة الصدَّامية للكويت أو قمة في أنقرة يدعو إليها الرئيس أردوغان الأكثر تطبيعاً مع إسرائيل.. وإن كان انعقادها في المغرب بدعوة من الملك محمد السادس أكثر لفتاً للإنتباه من جانب إسرائيل نتنياهو وسائر الأطياف السياسية والدينية الإسرائيلية. قمة تعتمد تعليق التطبيع وتريح ضمير المطبِّعين.. وتُبقي القرار ثابتاً وملزماً إلى أن تقلب إسرائيل الصفحة وتكتب مع العرب في صفحات السلام والإستقرار الدائميْن.

… وكفى الجميع عذاب المغامرات والرهانات.