Site icon IMLebanon

تسوية عربية – إسرائيلية.. وعدم إحراج لبنان

يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيارته الخارجية الأولى في وقتٍ يعصف بالبيت الأبيض مزيدٌ من الفضائح والأزمات الداخلية.

بات رائجاً استحضار مرحلة فضيحة «ووترغيت» الشهيرة التي أدّت الى خروجٍ مُذلّ لأحد أبرز الرؤساء الأميركيين، ريتشارد نيكسون، وكان معبّراً بما يكفي التعليق الذي أدلى به السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين وهو المرشّح السابق للرئاسة الأميركية بأنّ البيت الأبيض على أعتاب فضيحة كبرى.

وبدا أنّ مسلسل الفضائح الذي توالى منذ وصول ترامب الى البيت الأبيض تركّز حول هدف مركزي أو عنوان واحد: «عدم أهليّة ترامب وكفايته لتولّي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية». واختارت صحيفة «النيويورك تايمز» أن تصفه بـ«الرجل المتهوِّر» والذي يشكل خطراً على أمن البلاد.

وفيما كان الرئيس السابق لمكتب التحقيق الفيدرالي جيمس كومي يثأر لقرار إقالته باتهام ترامب بأنه طلب منه إنهاء التحقيق مع المستشار السابق للامن القومي مايكل فلين حول ملف التعاون مع روسيا خلال الحملات الانتخابية الرئاسية، ظهرت فضيحة أخرى تتمحور حول علاقة ترامب الملتبسة بروسيا وتتعلّق بكشفه عن تفاصيل طريقة الحصول على معلومات حول سعي «داعش» الى تفجير الطائرات المدنية من خلال أجهزة كومبيوتر محمولة بغض النظر عن حساسية ما حصل، خصوصاً أنّ الطرف الروسي هو المستفيد، إلّا أنّ الحملات باتت أقوى على ترامب رغم أنّ الدستور لا يمنعه عما قام به.

ويحلو لبعض الجهات الديبلوماسية الربط بين الحملات القائمة والتي تبدو شرسة، وبين الزيارة التي يستعد للبدء بها والتي تتضمّن مبادرات لا تبدو الحكومة الإسرائيلية مرتاحة اليها.

إذ بالنسبة إلى الملف المتعلق بالمعلومات الحساسة التي أدلى بها ترامب أمام وزير الخارجية الروسي، فالكلام الرائج في واشنطن أنّ الأجهزة الامنية الإسرائيلية هي التي أعطت المعلومات لواشنطن من ضمن اتفاقية التعاون الأمني المشترَك بينهما ولكنها لم تعطِ لواشنطن الحق في مشاركة أيّ دولة في مضمونها.

ومع دخول اللوبي اليهودي في إثارة مزيد من الحملات في وجه ترامب وتضييق الخناق حول عنقه، بدا للبعض أنّ الحكومة الإسرائيلية شجّعت اللوبي اليهودي على إثارة الموضوع لسببين أساسيَّين:

ـ الأوّل، كشف مدى القدرة الإسرائيلية على الخرق الحاصل داخل المراكز القيادية لـ«داعش»، وبالتالي قدرة إسرائيل على التأثير في قرار التنظيم الإرهابي متى أرادت ذلك، وهذا ما يفتح باب التساؤل والاستنتاج حول كثير من العمليات الإرهابية والتهجير الذي طاول كثيراً من المجموعات والأقليات في المنطقة والتي تتوافق مع سياسة إسرائيل في الشرق الاوسط.

ـ الثاني، يتعلّق بالتشويش على الزيارة التي سيبدأها الرئيس الأميركي الى المنطقة بدءاً من البوابة السعودية حيث سيلقي كلمة أمام نحو خمسين زعيماً ومسؤولاً من قادة العالم الإسلامي.

في الأساس كان رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير أوّلَ مَن طرح الفكرة على المسؤولين السعوديين، وهو الذي يعمل على الملف الفلسطيني كما العربي كمستشار وخبير.

وفيما تلقّف فريق ترامب الفكرة، خصوصاً أنّه عانى كثيراً جراء مواقفه القاسية والراديكالية ضد المسلمين والتي توّجها قراره بمنع السفر لرعايا سبع دول والذي أسقطه القضاء الاميركي، فإنه شرع للتحضير لزيارة يأمل منها نتائج باهرة تسمح له باستثمارها في الداخل الأميركي وتخفيف الضغط عليه، لذلك طلب مساعدة هنري كيسنجر الخبير والمحنّك والتقاه في البيت الأبيض واستعان بنصائحه.

وحسب أوساط ديبلوماسية أميركية مطّلعة، فإنّ ترامب سيشدّد في كلمته على محارَبة التشدّد والتطرف وسيدعو إلى الاعتدال، وسيركّز على التزام بلاده بشركائها المسلمين المعتدلين والسعي معاً لمواجهة الايديولوجيات الراديكالية.

لكنّ النقطة الاهم والتي أثارت الحكومة الإسرائيلية وأشعلت مستوى الضغوط الخفية، فهي تتعلق بالخطة التي تفاهم حولها ترامب مع مسؤولين خليجيين وتتعلّق بخطوط عريضة لتركيز بداية مشروع تطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.

ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» القريبة من البيت الأبيض بعض هذه الخطوط العريضة التي تتركّز حول إلتزام إسرائيل بتجميد جزئي للاستيطان في الضفة الغربية وتخفيف الحصار القائم على غزة وتأجيل واشنطن قرار نقل سفارتها الى القدس، في مقابل فتح التخابر الهاتفي المباشر بين الدول العربية وإسرائيل والسماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام المجال الجوّي لدول الخليج وتخفيف القيود المفروضة على التجارة مع إسرائيل ومنح تأشيرات تسمح بدخول رياضيين ورجال أعمال إسرائيليين الى الخليج.

لكن الحكومة الإسرائيلية ردّت بسلبية تجاه هذه الافكار، فهي ترفض في المطلق أيّ تسوية مع الفلسطينيين تقوم على أساس الدولتين، وهي لذلك متمسّكة بمشاريع الاستيطان ونقل السفارة الأميركية الى القدس.

أضف الى ذلك أنّ ترامب أورد في برنامج زيارته الذهاب الى بيت لحم حيث سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمرة الثانية خلال شهر، وفي المقابل استبدل ترامب قرار نقل السفارة بزيارة سيقوم بها الى الحائط الغربي في القدس.

صحيح أنه سيكون أول رئيس أميركي يقوم بهذه الزيارة فيما كانت مقتصرة في السابق على شخصيات مرشحة للرئاسة أو رؤساء سابقين، لكنّ ترامب رفض طلب بنيامين نتنياهو مرافقته مفضلاً القيام بالزيارة بمفرده وهو ما أغضب الحكومة الإسرائيلية المتشدّدة.

ومن هذه الزاوية يمكن تفسير الإحجام عن دعوة الرئيس اللبناني ميشال عون الى قمة الرياض واقتصارها على رئيس الحكومة سعد الحريري. صحيح أنّ هذا التدبير يُعتبر سابقة في تاريخ المؤتمرات الخارجية، لكنّ القائمين على المؤتمر وتفاصيله أرادوا تجنّب أيّ ردّة فعل معارضة لما سيُطرَح خصوصاً أنّ مواقف الرئيس اللبناني معروفة في هذا الإطار.

وقيل إنّ أحد المسؤولين الخليجيين قال في معرض تفسيره لما حصل: «لا نريد إحراجكم ولا إحراج أنفسنا في مؤتمر سيكون تاريخياً».