Site icon IMLebanon

بعد “الطوفان”: أميركا تخسر عربيّاً والصين تكسب

 

 

أظهر بحث استطلاعي أعدّته شبكة «الباروميتر العربي» انّ الرأي العام العربي انقلب بسبب حرب غزة بنحوٍ حاد ضد الولايات المتحدة الأميركية حليفة إسرائيل، وحذّر من انّ هذا التطوّر يمكن أن يُعاكس «جهود واشنطن للمساعدة في نزع فتيل الأزمة في غزة، وأيضًا جهودها لاحتواء إيران وصد نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط».

نشرت مجلة «فورين أفيرز» هذا البحث الاستطلاعي الذي جاء تحت عنوان «أميركا تخسر العالم العربي والصين تحصد المكاسب»، وقد أعدّه مدير مركز «الباروميتر العربي» مايكل روبنز، والعضوان المؤسسان فيه أماني جمال ومارك تيسلر، وذلك في ضوء عملية «طوفان الاقصى» في 7 تشرين الاول الماضي التي كانت، بحسب البحث، «لحظة فاصلة، ليس بالنسبة إلى إسرائيل فقط، إنما أيضًا للعالم العربي». اذ انها حصلت «في لحظة تَشَكّل نظام جديد في المنطقة». حيث انّ 4 دول أعضاء في الجامعة العربية هي: البحرين والمغرب والسودان والإمارات «أطلقت عمليات تطبيع لعلاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل. ولكن مع اقتراب صيف 2023 من نهايته، بَدا أنّ أهم دولة عربية لم تعترف بإسرائيل بعد، وهي السعودية، تتأهّب لذلك بدورها. الا انّ هجوم «حماس» وعملية إسرائيل العسكرية المدمّرة في غزة شَلّ هذا التقدم نحو التطبيع. وقالت السعودية إنها «لن تتقدم في صفقة التطبيع إلى أن تتخذ إسرائيل خطوات واضحة وملموسة نحو إنشاء دولة فلسطينية». فيما استدعى الأردن سفيره إلى إسرائيل في تشرين الثاني 2023، ولم تحصل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المُخطّط لها أواخر 2023 إلى المغرب. وراح الزعماء العرب يراقبون في حظر تزايد معارضة مواطنيهم للحرب في غزة. وفي عدد من الدول العربية، خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجًا على حرب إسرائيل وعلى الأزمة الإنسانية التي سَبّبتها. وطالبَ المتظاهرون في الأردن والمغرب بإنهاء اتفاقيات سلام دولتهما مع إسرائيل، تعبيرًا عن الإحباط من عدم استماع الحكومتين إلى الناس.

 

ويلفت الباحثون الى «ان نسبة المواطنين العرب الذين أجابوا بضرورة أن تكون أولوية إدارة بايدن في المنطقة هي القضية الفلسطينية قد زادت بمقدار كبير على مَدار آخر عامين: بواقع 21 نقطة مئوية في الأردن، و18 نقطة في موريتانيا والمغرب، و17 نقطة في لبنان. ويظهر من بيانات استطلاع تونس أنّ هذه الزيادة وقعت فور بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة». ويضيفون أنه «بسبب الحرب في غزة، انقلب الرأي العام العربي بشكلٍ حاد ضد الولايات المتحدة الأميركية حليفة إسرائيل الأشدّ دعمًا لها، وهو تطوّر يمكن أن يُعاكس جهود الولايات المتحدة الأميركية للمساعدة في نزع فتيل الأزمة في غزة، وأيضًا جهودها لاحتواء إيران وصَد نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط». ويلفتون الى انه «منذ 2006، نفّذ الباروميتر العربي استطلاعات رأي مرّة كل عامين وممثلة لمستوى الدولة في 16 دولة عربية. ولكن الاستطلاعات التي أجراها في كل من الأردن والكويت ولبنان وموريتانيا والمغرب أواخر 2023 ومطلع 2024 أظهَرت أنّ مكانة الولايات المتحدة الأميركية في أعين المواطنين العرب قد تراجعت إلى حد كبير». ويشرح الباحثون أن «ثمة استطلاع رأي أُجري جزءٌ منه في تونس قبل 7 تشرين الأول وجزء آخر بعد ذلك التاريخ، يُظهِر في وضوح أن هذا التحوّل في الآراء جاء ردًا على الأحداث في غزة».

 

ويشير البحث الى انّ «الأكثر إثارة للدهشة هو أن الاستطلاعات قد أوضحت أيضًا أنّ ما فقدته الولايات المتحدة الأميركية من شعبية ربحته الصين. فآراء المواطنين العرب إزاء الصين تحسّنت في استطلاعاتنا الأخيرة، بعد نصف عقد تقريبًا من الدعم الضعيف للصين في العالم العربي».

 

ويلحظ البحث ان الصين، وعلى الرغم من تقديمها مقدارا محدودا من الدعم المادي والخطابي لغزة، «فقد كانت المستفيدة الأساسية من تراجع شعبية الولايات المتحدة الأميركية عند الجماهير العربية. في استطلاعات 2021-2022 ظهرَ للباروميتر العربي أن الدعم العربي للصين يتراجع. لكن انقلب هذا التوجّه في الأشهر الأخيرة. ففي جميع الدول التي أجرى فيها الباروميتر العربي الاستطلاع بعد 7 تشرين الأول، قال نصف المبحوثين على الأقل إنّ آراءهم تجاه الصين إيجابية. وفي كل من الأردن والمغرب – وهما من الدول الحليفة الأساسية للولايات المتحدة الأميركية – استفادت الصين من ارتفاع بواقع 15 نقطة مئوية على الأقل في تصنيفات المواطنين لها».

 

ويعتبر الباحثون إيّاهم «انّ الحرب على غزة قَلّلت من الدعم العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو التراجع الطارئ على مستوى متدنٍ بالفعل من الدعم. لكن لا يعني هذا أن العالم العربي يُدير ظهره للتسوية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ إذ يظهر من بحثنا في تونس أن اندلاع الحرب في غزة ربما دفع بتراجع الدعم لحل الدولتين».

 

ويضيف: «في الوقت الراهن، لا يرغب القادة العرب في أن يُنظر إليهم بصفتهم يتعاونون بنحوٍ واضح وصريح مع واشنطن، نظرًا للتصاعد الحاد في الرفض الشعبي للسياسات الأميركية في دولهم. وربما يؤدي غضب المواطنين العرب من هذه السياسات أيضًا إلى عواقب مباشرة ووخيمة على واشنطن؛ إذ انّ أبحاثنا المعتمدة على بيانات استطلاعات الرأي العام في الجزائر والأردن قد أظهرت أنّ الغضب من السياسات الخارجية الأميركية يمكن أن يؤدي بالمواطنين إلى التعاطف بمقدار أكبر مع أعمال الإرهاب المستهدفة لواشنطن».

 

ويقول الباحثون الثلاثة انه «على رغم من فظائع هجوم حماس، أيّد قلّة من المبحوثين في استطلاعات «الباروميتر العربي» فكرة أنه يجب وَصف ذلك الحدث بمُسمّى «العمل الإرهابي». وعلى النقيض، أيّدت الغالبية العظمى مقولة انّ الحملة الإسرائيلية في غزة يجب أن تُصنّف كعمل إرهابي. وفي الغالب الأعَمّ، قَيّم المواطنون العرب الذين شملهم الاستطلاع الوضع في غزة بصفته وضعاً حرجاً. لدى السؤال أيّ من سبع كلمات تصف الأحداث الجارية في غزة ـ والكلمات تشمل «حرب»، «أعمال قتالية»، «مجزرة»، «إبادة جماعية»ـ كان المصطلح الأكثر اختيارًا من المواطنين في كل الدول، عَدا واحدة، هو «الإبادة الجماعية». في المغرب فقط وصف عدد غير قليل من المبحوثين (24 في المئة) ما حدثَ بأنه «حرب»، وهي نسبة المغاربة نفسها التي اختارت مصطلح «مجزرة». وفي كافة الدول الأخرى اختار أقل من 15 في المئة كلمة «حرب» لوصف ما يحدث في غزة».

 

وقد توصّلت استطلاعات الباروميتر العربي إلى أن الشعوب العربية لا ترى أن الأطراف الغربية تدافع عن أهل غزة… واختلفت النتائج بالنسبة الى واشنطن بمقدار أكبر عن نتائج الأطراف الغربية والعالمية الأخرى حول مسألة حماية إسرائيل. فعندما سُئل المبحوثون عمّا إذا كانت واشنطن تحمي حقوق إسرائيل، أيّد أكثر من 60 في المئة مِمّن أجابوا الاستطلاع في الدول الخمس المقولة. وتتجاوز هذه النسب بكثير نسب المبحوثين الذين وافقوا على أن الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة يحميان إسرائيل».

 

ويقول الباحثون انه «بَدا قبل أحداث 7 تشرين الأول أن نظامًا إقليميًا جديدًا يتشكّل في الشرق الأوسط. ومع سَعي بعض الحكومات العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ـ كان أول هذه الاتفاقات قبل نحو 30 عاماً ـ بَدا أنّ الانقسام الأساسي في المنطقة قد لا يكون بين إسرائيل والدول العربية، إنما بين طهران والدول الساعية لاحتواء تعدّيات الجمهورية الإسلامية في الخارج. كان من شأن تحالف جديد لاحتواء إيران ـ يضمّ إسرائيل وبعض الدول العربية الأساسية ـ أن يكون مفيداً جداً للحَدّ من نفوذ إيران في المنطقة. ويعتقد الباحثون أنفسهم انه «ربما ما زال من الممكن لواشنطن أن تدفع بتشكيل هذا التحالف». ويقولون: «انّ القادة العرب ما زالوا يؤمنون بأن تغيير اصطفافات المنطقة يصبّ في مصلحتهم، وان الاستطلاعات التي أجريناها بعد 7 تشرين الأول توصّلت إلى أنّ شعبية إيران ما زالت متدنية المستوى في صفوف الجماهير العربية؛ حيث أعربَ 36 في المئة في لبنان و25 في المئة في الأردن و15 في المئة فقط في الكويت عن آراء إيجابية تجاه إيران. لكن جهود إعادة الاصطفاف الكامل ستبقى موضع تحدّ طالما ان دعم شعوب المنطقة لواشنطن مستمر في التراجع».

ويلاحظ الباحثون انّ «المنطقة تقف عند نقطة توازن حرجة. ونظريّاً، تعد الولايات المتحدة الأميركية طرفا قادرا على ممارسة الضغط اللازم للمساعدة في إعلان وقف إطلاق النار في غزة والمساعدة في تحريك الإسرائيليين والفلسطينيين نحو السلام. لكن لاسترداد الصدقية الإقليمية، يتعيّن على واشنطن أن تقدّم خطوات واضحة وبراغماتية نحو «حل الدولتين»، فتوضَح كيف ستكون طبيعة الإدارة في غزة بعد الحرب، وما يتعيّن على الإسرائيليين والفلسطينيين عمله لضمان تحقيق التقدم نحو السلام. لقد تأخّر كثيرًا تحميل القادة الإسرائيليين والفلسطينيين المسؤولية. على واشنطن أن ترعى محادثات السلام، وقبل هذا عليها أن تصرّ على انتهاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية».

 

ويخلص الباحثون روبنز وجمال و تيسلر الى انه «من دون التغيّر الأميركي الكبير في دعم إسرائيل في حربها، ومن دون تغيّرات ذكية في السياسة الأميركية لتخفيف وطأة تنامي المشاعر المناهضة لواشنطن على المدى الأبعد، ستستمر أطراف أخرى – والصين منها – في محاولة إبعاد الولايات المتحدة الأميركية عن مقعد القيادة في الشرق الأوسط».