رغم أن القضية تجاوزت استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي بأشواط لكن محاولات الساعين لا تزال تحصل على قاعدة “فليستقل”، وربما تنفع المحاولات مع السعودية بحجة استقالته. هذا ما اقترحته فرنسا، وقبلها اميركا والكويت والقطريون ايضاً. وكلّلته الجامعة العربية بموفد من قبلها لم يحمل جديداً لا في الذهاب ولا في الاياب. فكما جاء غادر خالي الوفاض الا من طمأنة لبنان الى ان الامين العام للجامعة العربية وخلال اتصاله بمسؤول سعودي طمأنه الى ان المملكة لن تدخل موضوع الرعايا اللبنانيين الموجودين على اراضيها في الصراع الدائر مع لبنان.
وحين لم يُبدِ اي طرف عربي استعداده للمبادرة في رأب الصدع السياسي بين لبنان والسعودية تبرعت الجامعة العربية وأوفدت أمينها العام المساعد السفير حسام زكي، الذي لم يتردد بالاعتراف ان “الهدف من الزيارة لم يكن لإيجاد حل للأزمة فلكل دولة سيادتها، بل لمحاولة تقريب وجهات النظر”. اذا هي جولة استطلاع رأي من دون اي طرح او مبادرة او حتى اقتراح، لاعادة التقارب بين بلدين يفترض ان العلاقة المشتركة بينهما لا تحتاج الى وساطات بالنظر لعوامل تاريخية عدة بين بلدين شقيقين.
جاء زكي ساعياً الى تحصيل “ورقة كي افاوض عليها” فطالب كما كل الساعين باستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، لفتح باب الحوار مع السعودية، وفي تقديره ان تأمين الاستقالة بناء على طلب الجامعة العربية يكون بمثابة حفظ ماء وجه لبنان فلا يُعد تنازلاً للسعودية بل لوسيط محايد بين الدولتين. من دون ان يفوته التأكيد على اهمية الحفاظ على وحدة الصف العربي والعلاقات الثنائية، وما الى هنالك من عبارات صارت حبراً على ورق في دفاتر ذكريات جامعة الدول العربية ولم تعد وقائع. طلب زكي ولكنه لم ينل وعداً بالضغط على قرداحي بالاستقالة، ذلك ان الطلب استتبع باستفسارات ممن التقاهم حول الضمانات في حال الاستقالة عن عودة العلاقة مع السعودية الى سابق عهدها؟ وعما إذا كانت المملكة ستقبل بمأسسة العلاقة مع لبنان ولكنه كان صريحاً بالقول ان لا ضمانات لما بعد الاستقالة، ولكن اقله لتكون الاستقالة ورقة في اليد نستطيع ان نتفاوض على اساسها.
سمع زكي من المسؤولين الكثير عن حسن العلاقة مع السعودية، تم تذكيره بأن اول زيارة لرئيس الجمهورية ميشال عون عند انتخابة كانت الى السعودية وليس الى اي بلد آخر. وانه حين قال وزير الخارجية السابق شربل وهبة عبارته “البدو” عن السعوديين طُلِبت منه الاستقالة ولبّى، علماً ان كلامه جاء رداً على شتم الضيف السعودي لرئيس البلاد ولم يجر اتخاذ اي اجراء بحقه من قبل السعودية. وكيف ان لبنان سعى في كل المفاصل لأفضل العلاقات معها لكنها تريد ربط هذا البلد بالمواجهة الاقليمية الكبرى، وتضع شرطاً على لبنان بأنه طالما هو شريك في المواجهة الاقليمية فسيعاقب لبنان كدولة. علماً ان موضوع “حزب الله” لم يعد موضوعاً محلياً بل موضوعاً شرق اوسطياً ودولياً لا يمكن تحميل لبنان مسؤولياته.
والجواب الأكثر وضوحاً حول موضوع قرداحي تلقاه من الرئيس بقوله “مع اني لست مقتنعاً بان يملى علينا اقالة وزير في الحكومة، ولكن اذا اراد قرداحي ان يستقيل فلن اقف معارضاً اما مسألة اقالته فهي دستورية وتتطلب توافر اكثرية الثلثين وهذا شرط متعذر. ولم يكن كلام عين التينة والسراي الحكومي مختلفاً لكن المبعوث العربي الذي كان محور مساعيه يدور حول امكانية استقالة قرداحي، والتي لن تحصل طالما ان الثنائي الشيعي وخصوصاً “حزب الله” يرفض القبول بها على سبيل الحل، استثنى “حزب الله” من مشاوراته. ففي حين سرت أخبار مفادها انه تم التواصل بينه وبين مسؤولين من “حزب الله” الا ان مصادر مطلعة على اجواء “حزب الله” نفت اي لقاء كهذا. هذا في وقت سعى زكي الى التعويض عن ذلك بلقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على سبيل حفظ ماء الوجه بالعلاقة مع الشيعة.
من دون اي رسالة او خطوة تسعفه في مهمته غادر زكي واعداً بتقرير الخطوة القادمة في سبيل حل الأزمة الدبلوماسية فور وصوله الى القاهرة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا في ما لو كانت الجامعة العربية جدية بإعطاء حل متوازن، ولها القدرة على الحل فلمَ لم تشمل زيارة موفدها السعودية؟ وكيف لمبعوث لجامعة بيروت العربية ان يحضر ساعياً لمعالجة ازمة بين بلدين عربيين من دون طرح اية مبادرة او صيغة للحل؟ هل هو حجم الازمة الكبير ام تراجع دور الجامعة العربية الى درجة فقدان القدرة حتى على المبادرة خارج زيارة التأكيد على الحلم العربي.