في السنوات القليلة الماضية، وفي ظلّ تصاعد الاشتباك العربي الإيراني، لم تتردّد إيران من خلال مسؤوليها وإعلامها في التبجّح بمصادرة قرار عدد من العواصم العربية وبيروت واحدة منها.
ففي أيلول 2012 أعلن مستشار القائد العام للقوات المسلّحة الإيرانية اللواء يحيى صفوي أنّ لبنان وسوريا يشكلان عمقَ الدفاع الاستراتيجي لإيران، وأنّ «حزب الله» سيردّ إذا ما هاجمت إسرائيل الجمهورية الإسلامية، معتبراً أنّ «حزب الله»- لبنان يشكل عمق دفاعها الاستراتيجي.
وفي تشرين الأول 2012، أعلن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني اسماعيل كوثري أنّ إيران تمتلك صوراً التقطتها طائرةُ استطلاع من دون طيار تابعة لـ«حزب الله» فوق إسرائيل، هي طائرة ايوب «وأنّ الصور في يدنا».
وفي أيار 2014، اعتبر الفريق يحيى رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي في تصريحات مثيرة للجدل أنّ حدود بلاده الحقيقية ليست كما هي عليها الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط عبر جنوب لبنان، «وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط».
وفي أيلول 2014، قال النائب الإيراني علي رضا زاكاني إنّ إيران تمكنت من استتباع أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
وفي كانون الأول 2014، اعتبر علي أكبر ولايتي مستشار الشؤون الدولية لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي أنّ نفوذ بلاده بات يمتد من اليمن الى لبنان.
وفي شباط 2015، نقل قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري عن خامنئي أنه أعطى الإذن الى مجموعات من الشباب الإيراني للقتال الى جانب اخوتهم العراقيين والسوريين واللبنانيين.
وفي آذار 2015، أكد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أنّ بلاده حاضرة في لبنان والعراق، وأنّ هذين البلدين يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها. وحول الثورات العربية رأى سليماني أنها تتبلور مع مرور الزمن على شاكلة الثورة الإسلامية الإيرانية.
وفي أكثر من مناسبة، أكد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله أنّ «حزب الله» يتلقى الدعم الكامل على كلّ المستويات المالية والتسليحية والاجتماعية حصرياً من إيران.
وربما، فإنّ هذه الحصرية أمر طبيعي ومنطقي من وجهة نظر «حزب الله» في ظلّ قناعات الحزب في بيانه التأسيسي في مطلع الثمانينيات حين قال بالحرف: «نحن أمة «حزب الله» التي نصَر الله طليعتها في إيران وأسّست نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثّل بالولي الفقيه… ويتولّى كلٌّ منّا مهماته الجهادية وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد».
طبعاً إيران هذه تحتلّ اليوم جزراً عربية إماراتية ثلاث هي الطنب الكبرى والصغرى وجزيرة موسى، وعلاقاتها السلبية مع العالم العربي واضحة.
وبغض النظر عن الإنقسام البليغ الحاصل عندنا اليوم في لبنان، فلا مجال لتفسيرٍ ملتبس لمقدّمة دستورنا الميثاقية في الفقرة باء التي تنص: «لبنان عربيّ الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها»، علماً أنّ هذه الفقرة شكلت جزءاً ميثاقياً من «اتفاق الطائف»، وهو الاتفاق الذي رفضه بداية «حزب الله» في تشرين الثاني من العام 1989 على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله حين اعتبره مشكلة وأنّ بديله هو المقاومة، ثمّ عاد لاحقاً ولطّف موقفه نظرياً من «اتفاق الطائف» من دون تعديل فعلي.
ولعلّ الأمثلة العديدة على الأداء الداخلي لمَن يفتخر بانتسابه الى المنظومة الإيرانية لا تُحصى ومنها الثلثاء الأسود، والخميس الأسود، وأحداث مار مخايل، وغزوة بيروت والجبل، وحادثة سجد، واعتداءات عائشة بكار، واعتداءات برج أبي حيدر، وصولاً إلى القمصان السود، مع عشرات الأمثلة التي تضيق بها المجلّدات.
وبعد، كنا وسنبقى لبنانيين عرباً وبفخر. وللحديث صلة.