عودة سوريا الى حضن الجامعة مدار نقاش وتتوقّف على تجاوبها مع الطروحات –
حالت الخلافات القائمة بين بعض الدول العربية، والتشنّج الذي حصل أخيراً بين لبنان ودول الخليج وفي مقدّمها السعودية، ثمّ تصحيح العلاقات الديبلوماسية من خلال ما سُمي بالمبادرة الكويتية، وردّ لبنان على بنودها بشكل هدّأ من التصعيد دون رفع المقاطعة بشكل كلّي… فضلاً عن قيام بعض الدول العربية بالتطبيع مع «إسرائيل» بسبب مصالحها الإقتصادية والنفطية والإستثمارية، والتي تتعارض مع وقوف جامعة الدول العربية الى جانب القضية الفلسطينية، دون انعقاد الدورة الحادية والثلاثين لجامعة الدول العربية التي كان يُفترض أن تُعقد في 22 آذار الجاري في الجزائر، غير أنّ الجزائر التي تحتفظ بحقّ استضافة القمّة العربية، وإن جرى تأجيلها، تنوي عقدها في الربع الأخير من العام الحالي، على أن يتمّ تحديد موعدها خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يُعقد غداً الأربعاء في 9 آذار الجاري في القاهرة باقتراح من الجزائر. وإذ يشارك وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في اجتماع القاهرة، يرأس المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الذي سيقرّر تاريخ انعقاد القمّة العربية أواخر العام الحالي.
هذه القمّة الدورية السنويّة على مستوى القادة العربية، والتي جرى إرجاؤها للمرّة الثالثة على التوالي منذ العام 2019 بسبب جائحة «كورونا»، تتمسّك الجزائر ليس فقط بعقدها في بلادها أواخر هذا العام، إنّما أيضاً بإنجاحها وجعلها محطّة فارقة في مسيرة العمل العربي المشترك. ومن أجل التحضير لهذه القمّة بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون زيارات لبعض الدول العربية، كما أوفد وزير خارجية بلاده رمطان لعمامرة الى دول أخرى عديدة مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر ولبنان. وقد وصل إلى بيروت الاثنين حاملاً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون من نظيره الجزائري رسالة خطيّة حول الأوضاع العربية والتحضيرات لعقد القمّة العربية التي تستضيفها الجزائر. وقد أبلغ الرئيس عون الوزير الجزائري ترحيبه بأي لقاء عربي جامع، معتبراً أنّ «الظروف الراهنة في الشرق الأوسط وفي العالم باسره، تُحتّم أكثر من أي وقت مضى تضامناً بين الدول العربية وتعزيزاً لوحدة الموقف بعد التباعد الذي حصل خلافاً لميثاق جامعة الدول العربية».
وتقول أوساط ديبلوماسية عليمة، انّ جميع القادة العرب يبدون ارتياحهم لانعقاد القمّة العربية، لا سيما في هذه الظروف بالذات التي يحتاج فيها القادة العرب الى المكاشفة والمصارحة حول مواقف عديدة يتخذها كلّ منهم بعيداً عن أهداف ميثاق جامعة الدول العربية، وآخرها قرار التطبيع مع «إسرائيل». علماً بأنّ من بين الأهداف الرئيسية لإنشاء جامعة الدول العربية، كان الدفاع عن القضية الفلسطينية وعن حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وتأييد حلّ الدولتين جنباً الى جنب. ولكن مع الخطوات التي اتخذتها الإمارات العربية علناً بالتطبيع مع «إسرائيل» والحديث عن إمكان أن تحذو دول عربية أخرى حذوها قريباً، بات من الصعب الآن أن يخرج عن أي قمّة عربية بيان ختامي موحّد.
لهذا، فإنّ التباينات الواضحة في الرأي بين القادة العرب، والنزاعات العسكرية القائمة، تجعل عقد القمّة حاجة، على ما ترى الجزائر، للمّ شمل العرب حيال القضايا المصيرية التي تواجه العالم العربي، رغم انقسامه وعدم توحّده على رؤية مستقبلية واحدة. كما أنّ استضافة الجزائر لها، كونها تقف على مسافة واحدة من جميع الدول العربية، تجعل نسبة مشاركة القادة العرب فيها جيّدة. وتأمل الجزائر في الترحيب بأكبر عدد من القادة والملوك والأمراء العرب، غير أنّ شيئاً ليس مضموناً حتى الساعة، في ظلّ الأوضاع الصحيّة ووباء «كورونا»، فضلاً عن الوضع العربي المشرذم.
أمّا اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة غداً الأربعاء فسيبحث، على ما أوضحت الأوساط نفسها، التوصّل الى صيغة توافقية حول أبرز المواضيع التي ستُطرح أمام القمّة العربية المرتقبة، بما في ذلك تحديد التاريخ المناسب لعقدها، والذي ستعرضه الجزائر على المشاركين في الاجتماع، وعلى الأمانة العامّة للجامعة. وتودّ الجزائر أن يجمع هذا التاريخ بين الرمزية الوطنية التاريخية لها، وبين البعد القومي العربي ويكرّس قيم النضال المشترك والتضامن العربي.
وفي ما يتعلّق بلبنان، فسيتمّ بالطبع بحث علاقاته المتشنّجة مع دول الخليج، وإمكان تصحيحها بعد المبادرة الكويتية وتجاوب لبنان معها، على ما شدّدت الاوساط، سيما أنّ الجزائر تريد تحقيق مصالحة عربية شاملة في القمّة التي تستضيفها، على أن يكون «لمّ الشمل العربي» العنوان الأبرز فيها، فلا تدع أيا من الدول العربية على خصام فيما بينها. فضلاً عن مراجعة نصوص «ميثاق الجامعة» تجنّباً لمخالفة بنوده من قبل بعض الدول، ولهذا تقوم بتكثيف تحرّكاتها وزياراتها العربية بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافقات لإنجاح القمّة.
علماً بأنّ الجزائر قد قطعت منذ أشهر علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب بسبب ما اعتبرته «حملات عدوانية» متواصلة ضدّها، فيما وصفت الرباط ذلك بالمبرّرات الواهية. ولا بدّ ان يتمّ بحث هذا الأمر أيضاً من ضمن مناقشة المصالحة العربية الشاملة بين سائر الدول الأعضاء في الجامعة.
وعن موضوع مشاركة سوريا في قمّة الجزائر تمهيداً لاستعادة عضويتها في جامعة الدول العربية، أكّدت الأوساط عينها أنّ هذا الأمر مدار بحث كون بعض الدول العربية تؤيّد عودتها الى الحضن العربي، والبعض الآخر يعارضها. ولكن من المهمّ جدّاً أن يتمّ التوصّل الى ما هو مطلوب من سوريا قبل الموافقة على عودتها الى مقعدها في الجامعة، وهذا لم يحصل حتى الآن. وإذا اتفقت الدول الأعضاء في الجامعة على التحاور مع النظام السوري، على أن يتجاوب معها ومع مواقف الدول العربية، فقد يسهّل هذا الأمر استعادتها لعضويتها قريباً. أمّا إذا لم يتحقّق الإطار التوافقي بين الدول العربية الـ 21 وبين سوريا لهذه العودة، فإنّ الأمور ستبقى على حالها حتى القمة العربية اللاحقة. علماً بأنّ التقارب الأميركي- الإيراني في محادثات فيينا والاتفاق النووي يمهّد الطريق أيضاً أمام عودتها، غير أنّ النزاع المستجدّ بين روسيا وأوكرانيا قد يفرمل هذا الأمر مجدّداً.