Site icon IMLebanon

الوزراء العرب في بيروت: فرصة ضائعة!

 

 

ليس مستغرباً أن يستمر لبنان في إضاعة الفرص، الواحدة تلو الأخرى، وآخرها فرصة مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي إنعقد في بيروت الأسبوع الماضي.

جاء الوزراء العرب بعد طول غياب عن وطن الأرز، ليجدوا رئيساً للجمهورية يُوضّب حقائبه عشية إنتهاء ولايته، ورئيس حكومة مكلفاً لم يُنجز تأليف حكومته الجديدة، وحكومة مستقيلة لا «بالعير ولا بالنعير»، بعدما فقدت صلاحياتها الدستورية، ومجلس نواب مشرذم بين كتل متناثرة ضاعت معها حسابات الأكثرية والأقلية النيابية.

 

فوجئت الوفود العربية بمستوى التردي الذي يتخبط بأزماته لبنان في مختلف القطاعات، من الإنهيار الإقتصادي الكامل، إلى الإفلاس المالي الذي وصل إلى حد العجز عن دفع مستحقات العسكريين والموظفين، إلى غياب عناصر الريادة والتميز خاصة في قطاعي التعليم والإستشفاء، إلى سقوط أكثرية اللبنانيين تحت خط الفقر.

وعاش الزوّار الأشقاء، ولو ليوم واحد فقط، معاناة العتمة وإنقطاع المياه وأزمة الخبز وإضراب موظفي الدولة، والإنخفاض المخيف في قيمة الليرة اللبنانية، التي كانت من العملات التي يتم التداول بها عالمياً، في زمن الإستقرار والإزدهار.

ليس صحيحاً الكلام عن تخلي الدول العربية عن الشقيق المشاغب دائماً. وزيرا الكويت وقطر أبديا كل إستعداد لدعم لبنان، شرط أن يبادر اللبنانيون إلى مساعدة بلدهم في الخروج من النفق الحالي، عبر تحقيق مسار واضح للإنقاذ، وتأكيد جدية الحكومة اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات الإدارية والمالية، وإستئصال آفة الفساد من براثن المنظومة السياسية الفاسدة.

وزير خارجية قطر حمل مساعدة مالية مباشرة للجيش اللبناني، دعماً للعسكريين الذين يقومون بمهام أمنية شاقة في هذه الظروف الصعبة، وتأكيداً للثقة بالقيادة العسكرية. ووزير خارجية الكويت أكد إستعداد بلاده الإستمرار في جهودها لإعادة العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية، إلى مستوياتها الطبيعية، بعد نجاح المبادرة الكويتية في كسر الجليد الخليجي مع الدولة اللبنانية.

الأشقاء العرب والشركاء الأوروبيون يبحثون عن المحاور اللبناني القادر على خوض مفاوضات الدعم والمساعدة معهم بموجب برنامج أولويات واضح وحاسم، وفي إطار من التعهدات الجادة من الجانب اللبناني بأن ما يتم الإتفاق عليه من خطوات وخطط إصلاحية يأخذ طريقه إلى التنفيذ، ولا يبقى أسير الخلافات الداخلية والتسويف، كما حصل مع مؤتمرات باريس، وآخرها مؤتمر سيدر الذي بقيت ملياراته تنتظر تنفيذ ما تعهدت به الحكومة اللبنانية من إصلاحات دون طائل، إلى أن وقعت الواقعة وسقط لبنان في مهاوي الإنهيارات المتتالية، وسقطت معها كل تعهدات الإصلاح التي بقيت حبراً على ورق.

لا بد من الإعتراف بأن لبنان يفتقد اليوم السلطة القادرة على العمل والإنجاز، في مجالي الإصلاح والإنقاذ خاصة، وتخطي مراوحة العجز وهدر الوقت الراهنة، لإقناع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي بأن هذا البلد المنكوب بدأ يسير على درب الخروج من أزماته. ولكن دون الوصول إلى هذه العتبة على أبواب الإنقاذ صعوبات وعقبات جمّة.

الفراغ الحالي في سلطة القرار مرشح للتمدد ليس إلى نهاية العهد الحالي وحسب، بل إلى حين إنتخاب رئيس جمهورية جديد، وتشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد. ولكن ليس في الأفق ما يشير إلى أن هذا الإستحقاق بمتناول اليد، وسيجري في موعده الدستوري، حيث الفراغ الرئاسي هو الإحتمال الأكثر ترجيحاً، فضلاً عن أن تشكيل حكومة العهد قد يستهلك الأشهر الستة الأولى من الولاية، كما جرى في العهدين الأخيرين.

وبإنتظار إطلالة العهد الجديد، ولو بعد حين من الموعد الدستوري، ستبقى حكومة تصريف الأعمال تُدير شؤون البلد المنهار بالتي هي أحسن، وفي الحد الأضيق من الصلاحيات الدستورية، دون أن تتمكن من وقف الإنحدارات المتزايدة، ودون أن تنال ثقة الأطراف المانحة. وفي حال إستطاع الرئيس المكلف أن يجري بعض التعديلات على الحكومة المستقيلة، وإعادة نبض الحياة إلى شرايينها الوزارية، لن يكون من السهولة بمكان على الحكومة المعدّلة والمعوّمة أن تُنجز البرنامج الإصلاحي المطلوب ، مع تفاقم الإنقسامات السياسية، ومقاطعة الأحزاب الطائفية، والتباعد الحاصل في المجلس النيابي بين النواب الجدد وزملائهم من ممثلي الأحزاب التقليدية.

وبعيداً عن حسابات التفاؤل والتشاؤم، لا يبدو في الأفق أن ثمة إنفراجات سريعة في أزمات الكهرباء والمياه والخبز والأدوية، وبالتالي لا إستقرار في الأسعار على إيقاع الإرتفاع المتوقع للدولار، والعجز المستمر في مواقع القرار.