Site icon IMLebanon

الاتفاق النووي يكتمل عربياً

سيحتاج حكام طهران إلى الكثير من الحكمة ليسوّقوا تراجعاتهم في الاتفاق النووي، أمام جمهور إيراني احترفوا ضخّه بمشاعر العداء للولايات المتحدة «الشيطان الأكبر» والفخر بسياسات الثورة ومرشدها الذي ينتصر ولا يخطئ، وكان آخر كلام لخامنئي قبل إعلان الاتفاق يندرج في الأدبيات المعهودة في العداء لواشنطن.

يُفترض أن إيران بعد الاتفاق دولة طبيعية مثل سائر دول العالم، تعطي وتأخذ، ولا يمكنها المحافظة على مصالحها بالحرب، مباشرة أو بالواسطة، إنما بالحوار واحترام مصالح الآخرين.

ولما كان حكّام طهران تراجعوا عن بعض شعاراتهم وقبلوا تأجيل إلغاء عقوبات أساسية في مجال التسلُّح والسماح بتفتيش المنشآت النووية والعودة إلى العقوبات بعد حوالى ستين يوماً من اكتشاف الخروج على أي بند في الاتفاق، فإن طهران ستحصل من الاتفاق على 120 بليون دولار هي أموالها المجمّدة بناء لقرارات دولية منذ الثورة الخمينية، فضلاً عن رفع الحظر على تصدير النفط لتستعيد إيران موقعها الرابع عالمياً (4 ملايين برميل يومياً مقابل 1.5 مليون برميل إلى مليونين أثناء الحصار)، وسيتحرك الاقتصاد برفع الحظر عن اعتمادات وتحويلات بنوكها في مجال التجارة الدولية.

هذه المكاسب ستسمح لطهران بتأهيل بناها التحتية المتهالكة، خصوصاً في الطيران ومصافي النفط والموانئ والكهرباء، وتتولى التأهيل شركات محلية وأجنبية، بما يجعل طهران مقصداً للشركات الكبرى حيث تختلط المصالح الاقتصادية بالمواقف السياسية. هكذا تحجُب إيران صورتها القاسية كبلد مقاتل أو داعم لمقاتلين، وتطلق صورتها الجديدة الأشبه بماليزيا الشرق الأوسط.

ولن تتشكل ماليزيا إيرانية في ظل الخصومة والعداء اللذين تواجههما إيران في الشرق الأوسط، حيث رأى كثيرون في الاتفاق النووي مع الدول الكبرى خطوة نحو مزيد من تفاقم الأزمات واشتعال الحروب في المنطقة، وهؤلاء لا يثقون بحكّام طهران ويرغبون باستمرار عزلتهم والعيش تحت الضغط، خوفاً من أن تقودهم ثقة الدول الكبرى إلى تشديد التحكُّم في الأزمات العراقية والسورية واليمنية.

إنها النتيجة «المنطقية» للحساسية العربية تجاه الاتفاق النووي. وفي وسع طهران أن تتجاوز هذه الحساسية بمد اليد إلى كبار الإقليم عبر محادثات متكافئة تنطلق من تراجع إيران عن التلاعب بمصائر عرب المشرق واليمن.

ويعتقد مراقبون أن الاتفاق النووي لن يكتمل إلا باتفاق إيران مع مجلس التعاون الخليجي، انطلاقاً من عرضها تراجعات واضحة في الإقليم تتناسب مع تراجعات قدّمتها إلى الدول الكبرى لتفك عزلتها وتندرج في العلاقات الطبيعية بين الدول.

ولا يمكن لطهران أن تتحوّل إلى ماليزيا الشرق الأوسط فيما تلعب دور هانوي المنطقة وتستدرج كبار الإقليم إلى فيتنام المشرق العربي. هنا نلتفت إلى تصريحات رسمية سعودية تتقبل إيران عضواً طبيعياً في الإقليم فيما ترفضها نظاماً يؤجّج التناقضات والحروب.

ستبذل إسرائيل ومعها الحزب الجمهوري الأميركي جهدها في عرقلة الاتفاق في الكونغرس، ولن يكون أمام طهران إذا كانت حريصة على صورتها كدولة طبيعية، سوى مواجهة إسرائيل والحزب الجمهوري عبر استعانتها بدول الإقليم الرئيسية وفي مقدمها السعودية.

في هذا السياق، يمكن للاتفاق النووي أن يكون معبراً إلى تراجعات إيرانية في العراق وسورية واليمن ولبنان، تؤدي إلى جهود إقليمية جماعية لتأمين استقرار هذه الدول ومجتمعاتها المهدّدة بالانهيار. وفي السياق الإقليمي لا بد من تحفيز العمل على استعادة محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، على رغم تصلُّب نتانياهو وتطرُّفه.

إيران بعد الاتفاق مدعوّة للاستعانة بصداقة العرب ليتحقق اتفاقها في الواقع وتتفادى العرقلة، وبهذا تندرج دولة طبيعية في الإقليم والعالم، ترعى مصالحها من خلال احترام مصالح الآخرين.

محمد علي فرحات

الاتفاق النووي يكتمل عربياً

سيحتاج حكام طهران إلى الكثير من الحكمة ليسوّقوا تراجعاتهم في الاتفاق النووي، أمام جمهور إيراني احترفوا ضخّه بمشاعر العداء للولايات المتحدة «الشيطان الأكبر» والفخر بسياسات الثورة ومرشدها الذي ينتصر ولا يخطئ، وكان آخر كلام لخامنئي قبل إعلان الاتفاق يندرج في الأدبيات المعهودة في العداء لواشنطن.

يُفترض أن إيران بعد الاتفاق دولة طبيعية مثل سائر دول العالم، تعطي وتأخذ، ولا يمكنها المحافظة على مصالحها بالحرب، مباشرة أو بالواسطة، إنما بالحوار واحترام مصالح الآخرين.

ولما كان حكّام طهران تراجعوا عن بعض شعاراتهم وقبلوا تأجيل إلغاء عقوبات أساسية في مجال التسلُّح والسماح بتفتيش المنشآت النووية والعودة إلى العقوبات بعد حوالى ستين يوماً من اكتشاف الخروج على أي بند في الاتفاق، فإن طهران ستحصل من الاتفاق على 120 بليون دولار هي أموالها المجمّدة بناء لقرارات دولية منذ الثورة الخمينية، فضلاً عن رفع الحظر على تصدير النفط لتستعيد إيران موقعها الرابع عالمياً (4 ملايين برميل يومياً مقابل 1.5 مليون برميل إلى مليونين أثناء الحصار)، وسيتحرك الاقتصاد برفع الحظر عن اعتمادات وتحويلات بنوكها في مجال التجارة الدولية.

هذه المكاسب ستسمح لطهران بتأهيل بناها التحتية المتهالكة، خصوصاً في الطيران ومصافي النفط والموانئ والكهرباء، وتتولى التأهيل شركات محلية وأجنبية، بما يجعل طهران مقصداً للشركات الكبرى حيث تختلط المصالح الاقتصادية بالمواقف السياسية. هكذا تحجُب إيران صورتها القاسية كبلد مقاتل أو داعم لمقاتلين، وتطلق صورتها الجديدة الأشبه بماليزيا الشرق الأوسط.

ولن تتشكل ماليزيا إيرانية في ظل الخصومة والعداء اللذين تواجههما إيران في الشرق الأوسط، حيث رأى كثيرون في الاتفاق النووي مع الدول الكبرى خطوة نحو مزيد من تفاقم الأزمات واشتعال الحروب في المنطقة، وهؤلاء لا يثقون بحكّام طهران ويرغبون باستمرار عزلتهم والعيش تحت الضغط، خوفاً من أن تقودهم ثقة الدول الكبرى إلى تشديد التحكُّم في الأزمات العراقية والسورية واليمنية.

إنها النتيجة «المنطقية» للحساسية العربية تجاه الاتفاق النووي. وفي وسع طهران أن تتجاوز هذه الحساسية بمد اليد إلى كبار الإقليم عبر محادثات متكافئة تنطلق من تراجع إيران عن التلاعب بمصائر عرب المشرق واليمن.

ويعتقد مراقبون أن الاتفاق النووي لن يكتمل إلا باتفاق إيران مع مجلس التعاون الخليجي، انطلاقاً من عرضها تراجعات واضحة في الإقليم تتناسب مع تراجعات قدّمتها إلى الدول الكبرى لتفك عزلتها وتندرج في العلاقات الطبيعية بين الدول.

ولا يمكن لطهران أن تتحوّل إلى ماليزيا الشرق الأوسط فيما تلعب دور هانوي المنطقة وتستدرج كبار الإقليم إلى فيتنام المشرق العربي. هنا نلتفت إلى تصريحات رسمية سعودية تتقبل إيران عضواً طبيعياً في الإقليم فيما ترفضها نظاماً يؤجّج التناقضات والحروب.

ستبذل إسرائيل ومعها الحزب الجمهوري الأميركي جهدها في عرقلة الاتفاق في الكونغرس، ولن يكون أمام طهران إذا كانت حريصة على صورتها كدولة طبيعية، سوى مواجهة إسرائيل والحزب الجمهوري عبر استعانتها بدول الإقليم الرئيسية وفي مقدمها السعودية.

في هذا السياق، يمكن للاتفاق النووي أن يكون معبراً إلى تراجعات إيرانية في العراق وسورية واليمن ولبنان، تؤدي إلى جهود إقليمية جماعية لتأمين استقرار هذه الدول ومجتمعاتها المهدّدة بالانهيار. وفي السياق الإقليمي لا بد من تحفيز العمل على استعادة محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، على رغم تصلُّب نتانياهو وتطرُّفه.

إيران بعد الاتفاق مدعوّة للاستعانة بصداقة العرب ليتحقق اتفاقها في الواقع وتتفادى العرقلة، وبهذا تندرج دولة طبيعية في الإقليم والعالم، ترعى مصالحها من خلال احترام مصالح الآخرين.