بعد طول انتظار، خصوصاً من المجتمع الدولي، جاءت المبادرة العربية للسلام في 2002 (اعلان بيروت) لتحيي إمكانية إنهاء النزاع العربي ـ الاسرائيلي في إطار حلّ عادل وشامل. المبادرة السعودية التي أطلقها وليّ العهد عبدالله بن عبد العزيز (الملك لاحقاً)، تزامن اعلانها في القمة العربية في بيروت مع الحصار العسكري الاسرائيلي لمقر ياسر عرفات في رام الله.
لم يكن متوقعاً ان تأتي المبادرة بأية نتيجة ملموسة عند اعلانها، بل كانت بمثابة «وديعة» يمكن البناء عليها عندما تنضج ظروف تسوية ممكنة للنزاع على قاعدة قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها تنفيذاً لقراري مجلس الأمن 242 و338. في المقابل، تقيم الدول العربية علاقات طبيعية مع اسرائيل في إطار سلام شامل.
بعد مطالبات من الدول الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة، تبلورت مبادرة رسمية تعكس ارادة عربية جامعة لإيجاد حلّ للنزاع على «أسس عادلة»، ردّت عليها اسرائيل بمزيد من التعنّت والاحتلال. جاءت المبادرة بعد توقف المفاوضات العربية ـ الاسرائيلية التي انطلقت في مدريد في العام 1991 وبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية واستعادة اسرائيل سيطرتها العسكرية الكاملة على مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية كافة.
ثمة كلام متداول عن اعادة احياء المبادرة العربية، لكن في ظل أوضاع أكثر سوءاً مما كانت عليه في العام 2002، أبرز مؤشراتها: الجدار الفاصل الذي أقامته اسرائيل والتوسع في بناء المستوطنات، إضافة الى المطلب الاسرائيلي التعجيزي بالاعتراف بهوية الدولة اليهودية.
الزيارة الاخيرة المعلنة التي قام بها وفد سعودي، غير رسمي في الشكل، برئاسة مسؤول عسكري سابق في الجيش السعودي الى اسرائيل خطوة غير معهودة في السياسة الخارجية السعودية الحذرة والمتكتمة، وما تبعها من كلام عن زيارة مماثلة لوفد من الكنيست الاسرائيلي الى السعودية بحجة اعادة البحث في المبادرة العربية. اذا صحّ هذا الكلام، فإن الضحية الاولى لهذه الخطوة، هي المبادرة العربية نفسها التي بقيت حبراً على ورق منذ اعلانها.
في معادلة موازين القوى الراهنة، المبادرة العربية ورقة يُحسب لها حساب بيد المفاوض العربي، الطرف الفلسطيني تحديدا، المعني الاول بالنزاع الدائر على ارضه وحول مستقبل وجوده، والمغيّب عن الموضوع. سواء كانت خطوة باتجاه التطبيع مع اسرائيل، او ردّ فعل غير مباشر على ايران، أو زيارة الى فلسطين وليس الى اسرائيل، بحسب الوفد السعودي، او لإسباب وغايات غير منظورة، فإن الانفتاح السعودي على اسرائيل ليس تفصيلاً هامشياً، خصوصا بالنسبة الى اسرائيل. والزيارة أتت بعد سلسلة اتصالات ممهدة غير معلنة قام بها الطرفان.
هذه الحركة في الوقت الضائع، اقليميا ودوليا، قد تُعطي اسرائيل دفعا جديدا لمزيد من التهويد والاستيطان والاحتلال بحجة عدم جهوزية الفلسطينيين والعرب للسلام. وهو سلوك اسرائيلي معروف منذ العام 1948، بعدما نجحت تل ابيب في استغلال اية مفاوضات او تقارب، ولو شكلي، لتمرير مطالبها ولجعلها بديلا عن المطلب الاساس بإنهاء الاحتلال. فبدل ان تكون المبادرة العربية ورقة ضغط على اسرائيل في التوقيت المناسب فقد تتحول الى جائزة ترضية للمحتل. وإذا كان المقصود تضييق هامش النفوذ الايراني في فلسطين، فهذه الخطوة لن تؤثر في حركة إيران داخل فلسطين او خارجها، ولا على اعادة وصل ما انقطع بين تركيا واسرائيل.
اذن ما الجدوى من الانفتاح السعودي المفاجئ على اسرائيل، وكيف يمكن توظيفه سياسياً على المستويين الاقليمي والدولي؟ فمع غياب اية مبادرة اميركية لايجاد تسوية للنزاع في زمن الانتخابات الرئاسية، ومع الحروب الدائرة من المحيط الى الخليج، والتنافس في اسرائيل بين يمين متطرف وآخر اكثر تطرفا، فضلا عن الانقسامات الفلسطينية الحادة، كيف يمكن القيام بأي مبادرة مصيرها الفشل الحتمي. فلا التوقيت ملائم ولا المضمون مبلور ولا الهدف واضح. وحدها اسرائيل قادرة ان تستغل أي تحرك عربي او دولي لمصلحتها في ظل انسداد آفاق الحلول على المستويات كافة.
فاذا عجز العرب على مدى نحو قرن ليس عن إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني فحسب بل عن إيجاد حل عادل للنزاع، فماذا يمكن ان تفعل السعودية او غيرها لحمل اسرائيل على القبول بما كانت رفضته عندما كانت أكثر ضعفا وعندما كان الموقف العربي أكثر قوة وتماسكاً والعالم أكثر اكتراثاً؟