كتب محمد حسنين هيكل في كتابه «كلام في السياسة» ما رواه له الملك الإسباني خوان كارلوس في مقابلة له مع الملك حسين.
يروي هيكل حكاية بين الملك حسين (رحمه الله) وملك اسبانيا خوان كارلوس، كتب هيكل يقول:
«كان الملك «حسين» مع الملك «خوان كارلوس» يحضران مباراة مصارعة ثيران مهمة في مدينة «أشبيلية»، وبعد انتهاء المباراة راح الملك «خوان كارلوس» يشرح لضيفه اسلوب مصارع الثيران في مواجهة ثور هائج يهاجمه ولا بد لأحدهما ان يقتل الآخر، ودُهِش ملك اسبانيا حين سمع تعليق صديقه ملك الأردن الذي قال له:
«انني اعرف ما تتحدث عنه، وأنا أجرّبه كل يوم في المنطقة التي أعيش فيها، وحالي أخطر من حال المصارع الذي تتحدث عنه، فهو على الأقل يواجه ثوراً واحداً، وأنا عندي كل يوم في المنطقة عشرة ثيران على الأقل، وكلها هائجة، وكلها تهجم، وكلها مواجهات يمكن ان تؤدي الى القتل.
ومصارعك الإسباني لديه مساعدون يحملون السنون والحراب، وأما أنا ففي الحلبة وحدي، وأحياناً تجيء اليّ السنون والحراب من وراء ظهري»!
وبدت صورة مصارع الثيران قريبة جداً مما وصفه الملك حسين حول السياسة في البلاد العربية!
ونقف امام لبنان وسعد الحريري والملك حسين وفؤاد السنيورة في السياسة العربية ونحاول ان نفهم لماذا وكيف استطاع الملك حسين ان يخرج من السياسة العربية بأضخم جنازة عرفتها البلاد العربية من التكريم الدولي والعربي والأردني ،
«فالرؤساء الأميركيون الأربعة (رئيس حالي هو كلينتون، وثلاثة سابقون هم «بوش» و»كارتر» و»فورد» كانوا بين جميع الأدوار في النص الجنائزي- الأقرب الى وضوح المشاعر امام جثمان الملك «حسين»، لأنهم كانوا الأقرب الى جوهر الحقيقة الوافية الشافية من أي شك!».
بينما يموت لبنان منذ 1975 كل يوم الف ميتة، ولا يستطيع الخروج من حلبة المصارعة، حاله كحالة المصارع الإسباني، «يا قاتل يا مقتول»، كما يقول المثل العربي، اذا اخذنا سعد الحريري بعد اغتيال والده رفيق الحريري الذي انسحب من الحلبة منذ اشهر، وحزب الله الذي صدر حكم المحكمة الدولية في 18 أغسطس 2020 الذي يتهم سليم عياش رئيس قسم الإغتيالات في حزب الله بالقتل المتعمد، واتهم الحكم حزب الله وسوريا بالقتل في مضمونه، ولكنه في فقرته الحكمية أدانه من حيث برّأه بقوله: لا يوجد دليل على تورط سوريا او قيادة «حزب الله» بصورة مباشرة، بينما في مضمون الحكم كل الأدلة تثبت بطريقة غير مباشرة ان سوريا وحزب الله هما المتورطان، وأصلاً فإن ادانة سليم عياش الذي هو قائد القوة العسكرية في حزب الله، وسليم عياش لم يقتل رفيق الحريري لخلاف شخصي معه، بل لأن امراً صدر اليه من الحزب الذي هو من قيادييه!
فحكم محكمة الحريري كان سياسياً اكثر منه قضائياً!!! واغتيال بشير الجميل الذي تولاه القضاء اللبناني بهمة قاضٍ قوي ومجرَّب هو سعيد ميرزا، واتهم حبيب الشرتوني ونبيل العلم اللّذَين هما مأمورَين من سوريا! ولم تستطع القوى الأمنية من تنفيذ الحكم بحق حبيب الشرتوني ونبيل العلم رغم ان رئيس الحكومة هو ابن رفيق الحريري!
بل إن سعد الحريري دعم ترشيح ميشال عون مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية في 20 اكتوبر 2016، وكان هو وكتلته القوة الراجحة في انتخاب ميشال عون وسط استغراب كل القوى السياسية والشعبية، وكان ميشال عون هو مرشح حزب الله، وبقي الانتخاب مؤجَّلاً ومعلَّقاً سنتين ونصف السنة، الى ان رضخ سعد الحريري وكتلته الوازنة لحزب الله واختلف وقتها سعد الحريري مع فؤاد السنيورة الذي كان حريصاً على ان تبقى «المستقبل» الحريرية، مواجِهَة لحزب الله المتهم بقتل رفيق الحريري، ولكن سعد الحريري رضخ.
وكان سعد الحريري في رضوخه ثم انسحابه من السياسة بعد هذه السنوات، تماماً على الصورة التي رسمها الملك الإسباني خوان كاروس «لمصارعة الثيران» التي فيها القاتل او المقتول، والتي قال الملك حسين انه يعيش فيها وحالته اخطر من حالة المصارع، ولكن الملك حسين ربح ونجح بينما خطّ بشير الجميل وسعد الحريري فشل! بشير الجميل صدر حكم وسمى القتلة وهم يسرحون ويمرحون، وحَكَم شقيق بشير الجميل امين الجميل رئيساً للجمهورية ست سنوات! وبقي سعد الحريري سنوات عدة في رئاسة الوزارة، كما انحاز الى حزب الله في انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وانسحب من السياسة! فيكون الملك حسين قد ربح في السياسة.
وخسر في لبنان السياديون ان كان تيار بشير الجميل او تيار سعد الحريري.
وتيار السياديين في لبنان قريب من سياسة الملك حسين، فكيف ولماذا يربح الملك حسين ويخسر بشير الجميل وسعد الحريري في السياسة في لبنان؟
والملك حسين بالدليل القاطع:
1-نجح في معركته مع عبد الناصر في الإنفصال في سوريا.
2-وفي حرب الـ 67 كان على خلاف مع عبد الناصر ولكنه حين ادرك باتصالاته ان الحرب واقعة، ذهب الى القاهرة وعاد الى عمان مصطحِباً الفريق عبد المنعم رياض وحتى القشيري، وجرت الحرب بقيادة قائد مصري معروف بكفاءته ووطنيته، وصوت القشيري يدعو الى إلقاء اليهود في البحر.
وعاد عبد المنعم رياض الى القاهرة بعد انتهاء الحرب وهو يحمل هواجساً وهموماً ضاغطة على اعصابه ولم يكن مستريحاً لفكرة ان يجد نفسه على رأس قوات لم يعرفها ولم تعرفه وأن يكون ذلك في ظروف حرب! وقال عبد المنعم رياض لعبد الناصر ان صلته بالقوات في الميدان لم تكن سالكة، وكانت خسائر الجيش الأردني 16 شهيداً وطارت الضفة الغربية التي كانت اردنية.
والملك حسين بإثبات المحاضر والوثائق، ذهب في 25 سبتمبر 1973 الى مقابلة سرية مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية، قبل ايام قليلة من اندلاع الحرب، وحذر غولدا مائير من ان مصر وسوريا تدبران لشن معركة مفاجئة ضد القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان، ولم تأخذ غولدا مائير هذا التحذير جدياً، وانتشر الخبر بعد خسارة الحرب في البلاد العربية، ولم يكن له اي اثر، وبقي الملك حسين في حلبة المصارعة يعرف كيف يكون قاتلاً ولا يكون مقتولاً!
الانهيار اللبناني تجري محاولة الإنقاذ من السياديين في جلسة تعقد بعد أيام لإنتخاب رئيس للجمهورية، والأكثرية الساحقة من المسيحيين مع جهاد ازعور، والأكثرية الساحقة من السّنة مع جهاد ازعور، والأكثرية الساحقة من الدروز مع جهاد ازعور!
وليس مع سليمان فرنجية سوى الثنائي الشيعي! وبعض الخارجين عن اجوائهم وطوائفهم!
في حلبة المصارعة، سيلجأ حزب الله الى التعطيل معاكساً اتجاه 90 بالمئة من اللبنانيين.
نحن بحاجة الى «ملك حسين» الى بشير الجميل» الى «فؤاد السنيورة» لنربح في الحلبة، وإلاّ استمر الإنهيار الى الإبادة!
وبقي الذين أمروا حبيب الشرتوني يحكمون بجزمتهم.
يقول محمد حسنين هيكل في كتابه «كلام في السياسة» عن الملك حسين، أنه قال في اجتماع القمة الذي عقد حين اشتبك الفلسطينيون مع قوات الملك حسين في الأردن يقول1:
«وتخلّت عن الملك حسين لباقته –أو هو تخلّى عنها- لأن صبره نفذ، واندفع الى الرد بضيق، ولم أشأ مقاطعته مدركاً أن مشاعره تتحدث وليس حذره.
أول ما قاله: «إنّ هؤلاء الذين يعادون الآخرين ويعاديهم الآخرون- أكثرهم منافقون، فهم يقولون في العلن عكس ما يفعلون في السر، وهو على علم، وإذا قرر أن يتكّلم فإنّ بعضهم سوف يلزم الصمت ربما إلى الأبد»!
ثم انتقل ليقول: «ماذا يريد مني هؤلاء؟ بلدي في حاجة وهم لا يُعطون شيئاً، وإذا أعطوا فقطرة قطرة. وبلدي مُعرّض للخطر وليس فيهم من يستطيع ان يبعث جندياً الى خندق أو يطلق رصاصة في اشتباك».
وضغط الملك على كلامه وهو يقول: «إذا كان بينهم من يتصَوّر أنني أتصرف في سياسة الأردن من موقف يملك ترف الإختيار فهو «يكذب» إنني أعرف أن هناك من ينتظر حركة «غير مسؤولة» أقوم بها ثم يتّخذها ذريعة لإبتلاع البلد كله، وساعتها سوف أسمع وأقرأ بيانات تنديد ويذهب الأردن الى حيث ذهبت فلسطين قبله.. هل هذا ما يريدونه منّي..!!
(وذكر الملك بعض الأسماء)!».
اذا لم نحصل على «ملك حسين» و»بشير الجميل» و»فؤاد السنيورة»، فسيبقى الذين أمروا سليم عياش هم الذين يحكمون وهم الذين يقومون بدور الملك حسين، في حين ان الملك حسين هو لنا ومعنا.
ولكننا نحتاج الى «ملك حسين»، إلى «بشير الجميل»، الى «فؤاد السنيورة» لإستعادة سيادتنا.
إمّا ان يصوت سعد الحريري مع سليم عياش ثم ينسحب من الحكم حين يقطع له سليم عياش تذكرة ذهاب بدون عودة، اما ان يعزل امين الجميل كامل الأسعد ويُسقطه ويُسقط كل القوى السيادية ويعرض على آل الأسد التجديد له مقابل «شبه» وحدة مع سوريا.
إن اللاعبين من جهتنا كلهم كانوا يتزعمون القوى السيادية ويعزلونها ويقضون عليها تملقاً للقوى المعادية حتى تجدد لهم، وكي يحكم حزب الله بأسماء مستعارة!
في حلبة السياسة نحتاج الى «ملك حسين» الى «بشير الجميل» الى «فؤاد السنيورة»، كل الذين توالوا على الحكم منذ 1975 كانوا هم الذين سقطوا بحِراب الملك حسين.. هؤلاء كلهم لا يعرفون فنّ المصارعة، كلهم خرجوا مقتولين وقتلونا وقتلوا البلد وحَكَّموا الأسديين وحزب الله..
بالأمس ذهب ميشال عون يطلب العون من الأسد!
إذا كنا نريد الخروج فعلاً من الإنهيار التام، بحاجتنا الى «ملك حسين» و»بشير الجميل» و»فؤاد السنيورة» والاّ سنكون مقتولين كلّنا!