يوضع لبنان أمام احتمال اندلاع حرب. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأكثر صدقاً باعترافه بأنّ قرار الحرب والسلم ليس في يد الدولة. ولا يستطيع لبنان، البلد المنهار، مواجهة أي تحديات أو حروب بسبب إفتقاده المظلّة العربية. وهنا لا تنطبق القضية على إعادة الإعمار فحسب، بل على الصمود لحظة وضع اليد على الزناد.
يُعتبر لبنان من الدول السبع المؤسِّسة لجامعة الدول العربية، وهو لم يخرج يوماً من العباءة العربية، لكن صعود نجم «حزب الله» وسيطرته على قرار الدولة الإستراتيجي ومساعدة الرئيس السابق ميشال عون بذلك، جعلت الدول العربية تصنّفه في المحور الإيراني وحصلت القطيعة.
تصالحت إيران مع المملكة العربية السعودية لكن لبنان لم يعالج إشكاليته مع الخليج، وعلى رغم التهدئة العربية – الإيرانية، إلا أنّ العلاقات اللبنانية – السعودية لم تعد إلى سابق عهدها. ويُجري وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب إتصالات بالدول العربية الفاعلة، ويلمس تضامناً مع غزة والقضية الفلسطينية، لكن بالنسبة إلى لبنان تبقى المواقف في إطار العموميات ولا ترجمة عملية على أرض الواقع. من جهته أجرى ميقاتي سلسلة لقاءات عربية في الأردن ومصر من أجل تدارك الأسوأ وحشد الدعم العربي للبنان.
سرقت حرب غزة الأضواء من كل الملفات المحلية والإقليمية وغطّت على حرب أوكرانيا، لذلك لا أحد يمكنه توقّع مستوى الدمار الذي قد يحصل إذا دخل لبنان الحرب. ونتيجة الاتصالات الرسمية التي أجراها ميقاتي ووزير الخارجية وغير الرسمية التي تُجريها جهات سياسية مع دول عربية فاعلة، يمكن إستخلاص موقف كل دولة من الدول، وهذه المواقف تترجم كالآتي:
المملكة العربية السعودية: تسعى المملكة إلى عدم إندلاع حرب في لبنان، لكن كل إهتمامها وتركيزها على الشأن الداخلي السعودي وعلى حرب غزة، فالرياض التي تستضيف مونديال 2034 لن تغرق في وحول الأزمات اللبنانية التي تعتبرها صنيعة الفساد وسياسة المحور الواحد. وهي ستقف إنسانياً مع لبنان في حال إندلاع حرب، لكن موقفها سيبقى في هذا الإطار. وتعمل المملكة على عدم اتساع رقعة الحرب في غزة وطبعاً سيستفيد لبنان الدولة من هذا الأمر، لكنها تعتبر أنه يتوجب على اللبنانيين درس خطواتهم بحكمة وعدم فتح أبواب جهنم عليهم، علماً أنّها تفصل تحسين علاقتها مع إيران عن علاقتها مع «حزب الله».
قطر: حافظت قطر على صلة وصل مع لبنان، وساعدت الجيش في المراحل السابقة وتُبقي على مساعداتها له، وهي تعمل بجدّ لكي لا تندلع حرب تدميرية. ومعلوم الدور القطري في إعادة إعمار لبنان بعد حرب تموز، لكنها مهما تمايزت ستبقى تعمل وفق التوازنات المرسومة، وتُجري إتصالات لإبعاد كأس الحرب عن لبنان، لكنها لا تستطيع إعطاء جواب عن نيّات إسرائيل و»حزب الله».
الأردن: تتميّز المملكة الأردنية الهاشمية عن لبنان بوجود دولة قوية وحكم قوي وشعب يدعم النظام، فإذا كانت من الدول التي تمتلك حدوداً مع فلسطين إلا أنّ هذه الميزات تجعلها بأمان عكس لبنان الذي يفتقد إلى الدولة القوية. وأجرت القيادة الأردنية إتصالات بالجهات الدولية لوقف حرب غزة وعدم تمدّدها إلى بلدان الجوار، لكن الخوف من الوضع اللبناني الهشّ الذي يسيطر على كل العواصم العربية، وليس على عمّان فقط. لذلك بات ميقاتي على علم بكل مجهود القيادة الأردنية واعطاء الملك عبدالله الملف اللبناني الإهتمام الكامل.
مصر: وصلت نيران الأزمة إلى مصر قبل لبنان. وقد أفشل الرئيس عبد الفتاح السيسي مخطط تهجير أهالي غزة إلى سيناء، وبالتالي تنشغل مصر بأزماتها الحدودية والحرب في غزة، ويأتي إهتمامها بالملف اللبناني من ضمن الإهتمام بالحرب الكبرى في المنطقة. وحاول ميقاتي أخذ تطمينات من القيادة المصرية بعدم تمدد الحرب الى لبنان على رغم ان الحرب مرتبطة بشكل مباشر بطهران وتل أبيب.
ولا تستطيع جامعة الدول العربية فعل شيء أمام هذه الحرب الطاحنة و»الشاطر يخلّص حاله»، وفي هذا الإطار لا تستطيع الديبلوماسية اللبنانية مهما نشطت تغيير مسار الأمور، لأنّ المستقبل مربوط بنوايا إسرائيل وبما تريده إيران والدولة اللبنانية الحلقة الأضعف.