IMLebanon

الحـروب وخطـرها على الشعـوب

 

 

يعتبر «علم الإجتماع» أنّ الحروب هي مجموعة من العلميات العسكرية السلبية حيث تتسّم بطابع تدميري عنيف، وهي فعلياً نزاع مسلّح يقوم على إستخدام القوّة المسلّحة بإستعمال مجموعات مسلحة منظمة تعرف بالـ «الجيوش النظامية» وفي بعض الأحيان مجموعات مسلحة تعرف بالـ «الميليشيات» وهذه الميليشيات يًعطيها القانون بعض الأحقية في المطالبة بحقوقها المهدورة هذا إنْ سعتْ إليها بالطرق القانونية.

ما شهدناه في نهاية الأسبوع الماضي من خرق للحدود الإسرائيلية على يد مُسلّحي «منظمة حماس» يقودنا بدايةً إلى طرح العديد من العوامل الجوهرية فيما خص الأسباب التي أدّتْ إلى هذا التوّغل داخل الأراضي الإسرائيلية. العامل الأول الذي يطرح نفسه هو أحقية الشعب الفلسطيني في حقوقه المسلوبة منذ ما قبل العام 1948 وما تلاه من ويلات مروراً بحرب العام 1967 حيث واجهت إسرائيل الجيوش العربية وحقق في حينه جيشها إنتصاراً ملغوماً مدعوماً من بعض الدول العظمى لكن إسرائيل في حينه لم تستطيع إرغام دولة واحدة من الإعتراف بكيانها، وفي العام 1973 كانت الحرب وانتصرت الجيوش العربية وخاب ظن حكّام إسرائيل بقوتهم، وفي العام 1982 كان الاجتياح الإسرائيلي للبنان ووفقاً لبعض الدراسات كان هذا الاجتياح مخططاً له من قبل الدول الفاعلة على المسرح السياسي الدولي والإقليمي، فإنسحب «أبو عمّار» بقواته إلى تونس رافضاً في حينه العرض السوري المِضياف. هذا على المستوى العسكري لناحية الحروب. أما لناحية أحقية الشعب الفلسطيني في أرضه فلقد اعتمدتْ الأمم المتحدة قرار يحمل الرقم 3236 في 22 تشرين الثاني 1974 بموافقة 89 صوتاً مقابل رفض 8 وإمتناع 37، ويحمل هذا القرار عنوان «حقوق الشعب الفلسطيني» وفيه يؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين. الحق في تقرير مصيره دون تدخّل خارجي، الحق في الإستقلال والسيادة. وفي العام 2022 صوّتت أيضاً الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بأغلبية ساحقة على قرار يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بحضور وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قائلاً «إن القرار اعتمد – خلال إجتماع إعتيادي للجمعية – بأغلبية 168 دولة صوّتت لصالحه، بينما عارضته 6 دول وهي: تشاد – إسرائيل – جزر المارشال – ميكرونيزيا – ناورو – الولايات المتحدة الأميركية، وامتنعت 9 دول عن التصويت». كما نوّد التذكير أنه في العام 1947، اتخذت الجمعية العامة القرار 181 (د – 2)، الذي عرفَ بإسم «قرار التقسيم»، وقد نص القرار على أن تنشأ «دولة يهودية» و«دولة عربية»، مع إعتبار القدس كيانًا متميّزًا يخضع لنظام دولي خاص. إضافةً إلى ذلك نذكّر القرّاء الكرام، انه تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 الدورة الثالثة الذي تقرر فيه «وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة». على ما نلاحظ أنّ كل الفرص أهدرها الطرفان وكل واحد وفقاً لنسب معينة لا تعفيه من المسؤولية. فالإسرائيلي أضاع فرصة تاريخية ألا وهي فرصة «إتفاق أوسلو» والمصافحة التاريخية بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وإسحاق رابين في البيت الأبيض، إلى الفرصة الذهبية فرصة المبادرة العربية للسلام التي طرحها الملك السعودي في حينه جلالة الملك عبدالله بن بعد العزيز على القمة العربية في بيروت في العام 2002 إضافة إلى الفرصة الأخيرة فرصة التطبيع، هذا من ناحية إسرائيل، أما لناحية السلطة الفلسطينية فإنها لم تفعّل كادراتها السياسية والدبلوماسية ولم تسعَ مع جامعة الدول العربية لعقد إجتماعات إستثنائية لحل قضيتها أمام المحافل الدولية لتكون مدعومة عربياً ودولياً في مطاليبها… ألا يحق لنا كباحثين طرح سؤال: من هو المسؤول عن كل هذه الإخفاقات التي أدّت إلى هذه الحروب والخسارات البشرية بين كلا الطرفين؟!

العامل الثاني، بالإشارة إلى خرق الحدود الإسرائيلية السبت الماضي نطرح بصفتنا باحثين في الشؤون الإستراتيجية العديد من الأسئلة عن طبيعة هذا الخرق ووفقاً لـ«العلوم العسكرية» قاموس المفاجآت ليس بحكم الوارد بهذه النظرية ولا بما تّم سرده لبعض وسائل الإعلام، عملياً هناك دور بارز لفريق إستغل واقع الأزمة وغطرسة الإسرائيليين وتعنّتهم، هناك من خطط لعلمية عسكرية مرسومة الأهداف والنتائج، لقد رسم طريق طويلة ودقق بكل تفاصيلها، وحدّد ما يريده من مطالب واضعاً «بنك أهداف» على السلطات المعنية وأعني بهم «الدول العربية (جامعة الدول العربية) – السلطة الفلسطينية – المجتمع الدولي – دولة إسرائيل قرأتها بتمعّن تشمل أكثر من عنوان ومحطة مفصلية. المُخطِّطْ لهذه العملية يسعى لدور إقليمي في المنطقة، ولا يرغب في حصر دوره في التأثير السياسي فقط إنما يريد له وبصيغة الأمر الواقع على ما جرى نهار السبت الماضي أبعاداً جيوبولتية – إستراتيجية هذا إن إكتفى بذلك ووفق حساباتنا سيشمل أيضاً التوّسع الثقافي – التجاري – الديني… والظاهــر أنّ هذا الطرف لن يتوّرع عن تغذية كل الميليشيات المناهضة لعملية السلام في المنطقة وسيُحاول عرقلة أي مشروع إنقاذي للمنطقة تحت ستار «المحافظة على حقوق الشعب الفلسطيني». وبصريح العبارة إنّ المُخطِّطْ لهذه العملية لم يخفِ رغبته وسعيه للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ليُصبح القوة الإقليمية العظمى.

العامـل الثالث، نتمنى من الدول العربية وبهيئتها المنظمة جامعة الدول العربية وذلك بإعتبارها الدول التي تمثل أقطاب التنافس الإقليمي مع دولة إسرائيل أن تفعّل إستراتيجيتها العربية وقد تكون أهميتها نتاجاً لموقعها الجغرافي ولما تحتويه من ثروات طبيعية ولما تشكّله من ضرورة تعاون المجتمع الدولي معها التي تؤهلها لتندرج ضمن إتفاق «سلام، سلام الأبطال» ضمن المنطق الإستراتيجي والقضية الفلسطينية هي أحد القضايا الحيوية. الإستراتيجية التي يُراد لها النجاح والتي من المفترض أن تمتاز عن غيرها من الإستراتيجيات هي «مساعدة السلطة الفلسطينية» على إعادة تكوين نفسها بنفسها عبر دعم كل أجهزتها الشرعية العاملة ضمن سلطتها المنصوص عليها في القوانين التي أشرنا إليها في سياق هذه المقالة. إن منطق «العلوم السياسية» يؤكد على توازن القوى هو من الأهمية القصوى في أي حركة سياسية، والدعم العربي سيؤثر على واقع السلطة الفلسطينية، وستدرك حتماً أنّ هناك تحوّلاً كبيراً سيحصل وسيُعطي ثماره الحسنة للـ«القضية الفلسطينية». تجنّبوا يا سادة من عملية إستغلال الضعيف للقوي في هذه الظروف، مع وجود جهات فاعلة إقليمية – محلية قادرة على المناورة بسلاسة وإثارة الشعب الفلسطيني على بعضه للإستفادة وذلك بطرق غالباً ما أربكتْ وأحبطتْ مشاريع ضخمة الحجم الثقيلة الحركة والبطيئة التعلم. وفي السياق الواسع تدّل عملية «طوفان الأقصى» على أن راعيها يجد من الأسهل عليه ضرب كل العوامل السلمية التي تقوّي الدولة الفلسطينية المنهارة بسبب الخلافات العربية – العربية والتي تُستغّل حالياً.

جامعة الدول العربية ليست مشلولة إزاء القيام بالمبادرة وإتخاذ أي موقف يُعيد الأمور لنصابها الدبلوماسي السليم، ولا تتركوا شعبنا العربي تؤثر عليه الحروب وأخطارها… إنّ العمل الدبلوماسي هو نقيض الحروب وقد يؤدي إلى التمكين من نوع من تعبئة كل القوى العربية لخلق الأُسُسْ لتطور العملية السلمية نحو «فلسطين سيدة حرة مستقلة».

 

* كاتب وباحث سياسي