Site icon IMLebanon

لم الشَّمل العربي أضحى ضرورة ملحَّة لمواجهة التَّحديات الإقليميَّة

 

 

لم يسبق للأمَّة العربيَّة في العصر الحديث أن عرفت حالة من الإرباك والضَّياع والتَّفكُّك كما تشهده اليوم، ويعزى ذلك للتناحر بين القادة العرب المبني غالباً على اعتباراتٍ شخصيَّةٍ بعيدة عن هموم الشعب. للأسف لم يستفد القادةُ العرب من الدّروس المُستقاة مما آلت إليه أوضاع الأمَّة بعد أحداث العقدين الأولين من القرن الحالي، وبالتحديد ما عرف بثورات الربيع العربي، وما أسفر عنه من فوضى غير بنّاءة، والذي أدّى إلى تفتيت الدُّول العربيَّة وتقويض بناها الدستوريَّة وتدمير قدراتها الدِّفاعيَّة وتبديد ثرواتها الطَّبيعيَّة وتشريد أبنائها وتشتيتهم، الأمر الذي كشف معظمَ الدُّول العربيَّةِ أمام الأعداءَ وفي طليعتهم الكيان الإسرائيلي، وسهَّلَ عمليَّة الاستفراد بها دولة تلو الأخرى.

لقد كان العرب خلال القرن المنصرم، رغم تناحُرهم، يجمعون ولو بالحد الأدنى على ضرورة تسخير جهودهم وإمكانيَّاتهم صونًا لوحدتهم وخدمةً لقضيَّتهم الأم «أي القضيَّة الفلسطينيَّة»، ذات البُعدين الديني والقومي. أمَّا اليوم فتراهم غافلين عنها وعما يتعرَّض له الشَّعب الفلسطيني، وحتى عما يحاكُ من مكائدَ تقسيميَّة للعديد من الدُّولِ العربيَّة. للأسف لم ينجح العرب، حتى في أوجّ تآلفهم وتفاهمهم حول القضيَّة الفلسطينيَّة، في توحيد جهودهم العسكريَّة بإقامة جيش عربي موحَّد، أو جيوش متعاونة، تنسِّقُ في ما بينها لحماية مصالحها المشتركة، ولا حتى في بلورة رؤية سياسيَّة موحَّدة متكاملة تجاه قضاياهم المُحقَّة. ولطالما أظهروا تَصلُّباً في القضيَّة الفلسطينيَّة تجاه ما كان يُعرض عليهم من حلول، ومبالغةً في تبنّي مواقف وطروحات حديديَّة سُرعانَ ما كانوا يتراجعون عنها نتيجةَ عجزهم عن تحقيقها. من ذلك عدم الاعتراف بإسرائيل، ورفض تقسيم الأراضي الفلسطينيَّة ورفض الاعتراف بخطوط الهدنة، ولم يبادروا بموازاة ما كانوا يبدونه من رفض إلى طرحِ حلٍّ شامل ودائم فيما لو استثنينا مبادرة المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليًّا للعهد، والتي أطلقها خلال أعمال القمَّة العربيَّة التي عقدت في بيروت عام 2002 وأقرَّت بإجماع عربي، وهذا ما أفقدهم المصداقيَّةَ تجاه المجتمع الدَّولي، وسهَّل عمليَّة تهميشهم وعدم الإكتراث لمطالبهم في ظلِّ عجزهم الدَّائم عن الدِّفاع عن حُقوقهم.

أدَّت المقارباتُ العربيَّةُ، التي غلب عليها التَّفرُّد في المواقف، إلى تشجيع الأعداء والخصوم على الاستفراد بهم، من ذلك: الاتِّفاق الذي أقدم عليه الأمير عبد الله ابن الشريف الحسين مع الكيان الإسرائيلي، والذي قضى بضم الضِّفة الغربيَّة وما تبقّى من أراضي فلسطينية غير محتلَّة إلى الأردن في أواخر عام 1949، لقاء تنصيبه ملكاً على ما سُمِّيَ بالمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة الجديدة، بعد أن بايعه عددٌ من أعيان فلسطين، وقد أدانت جامعة الدول العربيَّة في حينه هذا القرار، وطالبت بعدم الاعتراف به ورفض مُبايعته، الأمر الذي أدَّى إلى توتُّر العلاقة بينه وبين الجامعة العربيَّة، وبعدها جاء اتِّفاق كامب ديفيد بين أنور السادات وبيغن، واتفاق أوسلو بين أبو عمَّار ورابين وغيرها من الاتِّفاقات المعلنة وغير المعلنة، والتي كانت تجري على غرار ما يجري اليوم من عمليَّات تطبيع ثنائيَّة الطابع بين بعض من الدُّول العربيَّة والكيان الإسرائيلي، والمقاربات الظَّرفيَّة للمُستجدات على السَّاحتين الدَّوليَّة والإقليميَّة، كُلُّ ذلك وفق منحى تفرُّدي ارتجالي.

إن أسباب التَّناحُرِ بين الزُّعماء العرب لا تقتصرُ على المقاربات التَّفرُّديَّة، إنما يضاف إليها محاولات البعض منهم احتكار قرار جامعة الدُّول العربيَّة، والاستئثار بالنُّفوذ فيها لصالِح دولة أو زعيم دون غيره، وهذا ما أدَّى إلى توتٌّر العلاقات بين المنضوين فيها وتقويض دورها على السَّاحة الإقليميَّة؛ ومن الأمثلة على ذلك: العلاقة المتوترة التي سادت ما بين الملك فاروق (ملك مصر) وملك الأردن (عبدالله الثاني) كما العلاقة المتوترة ما بين الملك فيصل وجمال عبد الناصر، ومن ثم علاقة أنور السَّادات وباقي الزُّعماء العرب، والعلاقة المتوترة ما بين صدَّام حسين وحافظ الأسد، وما بين ملك المغرب الحسن الثاني وخليفته الملك الحالي والرؤساء الذين تعاقبوا على الرئاسة في الجزائر، وما بين الزُّعماء الخليجيين وكل من مُعمَّر القذافي وبشَّار الأسد، هذا عدا التَّناحر بين دول الخليج أنفسهم (ما بين أمير قطر وباقي الزعماء الخليجيين، ومؤخراً ثمَّةَ مؤشِّراتٌ توحي بأن العلاقة ما بين المملكة العربيَّة السُّعوديَّة والإمارات العربيَّة المُتحدة ليست على ما يرام نتيجة تباين المواقف في ما بينهم تجاه ما يحصل في كل من اليمن وسوريا وليبيا وربما تجاه ما يحصلا في السُّودان حاليًّا.

أدَّت محاولات التَّفرُّد واحتكار القرار والشَّخصنة إلى شرذمة الأمَّة وإضعافها، الأمر الذي فتح شهيَّة كل من إيران وتركيَّا، الدَّولتين الوريثتين لإمبراطوريَّتين متجذرتين تاريخيًّا، للسَّعي مجدَّداً لتحقيق أطماعِهما الاستعماريَّة في البلدان العربيَّة، كما للعبث بشؤونها الدَّاخليَّة، بحيث سعت تركيا إلى تكريس نفوذ لها في كل من تونس وليبيا وشمال سوريا، أما إيران فاستغلَّت التَّحولات التي شهدتها المنطقة للتَّمدُّد داخل عدد من الدُّول العربيَّة، مُستغلَّة وجود بعض المكونات الشَّعبيَّة المتماهية مع تطلُّعاتها الفئويَّة، ما مكَّنها من تكريس نفوذ لها في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ولو بدرجات متفاوتة، بحيث استغلَّت التَّدخل الأميركي في العراق وإسقاط صدَّام حسين وحل الجيش العراقي لتمسك بزمام الأمور في العراق، كما استغلَّت الصِّراع على السُّلطة في اليمن ما بين علي عبد الله صالح والحوثيين للإطاحة بالأول والإمساك بالقرار الحوثي كأداةٍ لمناوءة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة واستهداف بعض من مرافقها الحيويَّة بصَواريخ ومسيرات إيرانيَّة الصُّنع، وكذلك الأمر في تدخُّلها إلى جانب النِّظام السُّوري في وجه الثَّورة الشَّعبيَّة، فنجحت في جعل سوريا أشبه بمقاطعةٍ إيرانيَّة، وفي لبنان من خلال دعمها لحزب الله تحت ذريعة دعم المقاومة الإسلاميَّة وتمكيناً لها من تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، أما في فلسطين المحتلَّة فعبر استقطاب المُنظَّمات الإسلاميَّة المُتشدِّدة وفي طليعتها حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي وغيرهما، وتقليبهما على السًّلطة الفلسطينيَّة فبدت إيران وكأنها الحاضنةُ الوحيدةُ للقضيَّة الفلسطينيَّة، كل ذلك أدّى إلى اتِّساع رقعة نفوذها الإقليمي، وجعل تلك الدُّول مسرحاً لأذرُعها التي لا تتوانى عن الزَّود عن المصالح الإيرانيَّة، وتسبَّبَ في تقويض الاستقرار السِّياسي والأمني في تلك الدُّول وجعلها ترزح تحت وطأة أزماتٍ اقتصاديَّة ومعيشيَّة خانقة.

وأخطرُ ما في انعكاسات الربيع العربي تكريسه التَّفوُّق العسكري لصالح الكيان الإسرائيلي، ما أتاح له العربدةَ على امتداد مساحة الوطن العربي، والتَّنكيل بالشَّعب الفلسطيني، والإفراط في استهداف المجموعات المُسلَّحة التابعة لما يسمى بأذرع إيران في عمق الأراضي السُّوريَّة، ولم تسلم منها الوحداتُ العسكريَّة التابعةُ للنِّظام السوري، كما تسبَّبت في تدمير العديد من المطارات والمنشآت العسكريَّة ومخازن الأسلحة، كل ذلك من دون أن تلقى أي ردٍّ من محور الممانعة، سوى تصريحات ممجوجة، مفادها: الاحتفاظ بحق الرَّد في الزمان والمكان المناسبين، وبالوسيلة الملائمة. وقد وصلت الوقاحةُ بهذا العدو، الذي يرتكب المجازرَ في فلسطين ومخيماتها، إلى حدِّ تسويق نفسه كمُنقذٍ لبعض الدُّول العربيَّة من الأخطار الإيرانيَّة.

الملامةُ لا تقعُ على الكيان الإسرائيلي الغاصب ذو النَّوايا التَّوسعيَّة «باعتباره عدوًّا لا يرجى فيه خيراً»، وأن مناوراته السِّياسيَّة المشبوهةَ لا تنطلي على أحد، وذلك جرياً على عادته في اعتمادِ استراتيجيَّة التَّرويض كوسيلة لتقويض الإرادة العربيَّة، ودفع القادة العرب إلى مزيد من التنازلات وصولاً إلى قبولهم بالتَّطبيع، باعتماد تكتيكات تقوم على اقتناص الفُرص للانتقام، مستفيداً من تفوُّقه العسكري المكفول أميركياً والمتبنّى غربياً، للقيام بضربات استباقية، وشنّ حروب وضرباتٍ مباغتة لتحقيق المزيد من التَّوسُّع، وإبقاء الجبهات مفتوحة لحرمان العرب من بناء جيوش رادعة؛ وما مساعيه التَّطبيعيَّة اليوم سوى إنموذجاً عن سياسة المراوغة التي يتقنها لتَجنُّب الضُّغوط الدَّوليَّة التي لم تنجح حتى في ثني إسرائيل عن المضي قُدماً في سياساتها التَّوسعيَّة، ولا في انسحابها من الأراضي التي احتلتها منذ العام 1948، باستثناء انسحابها من صحراء سيناء، والذي جاء تنفيذا لمقررات اتفاقية كامب ديفيد التي عقدت على ضوء نتائج حرب 1973، وبغرض تحييد مصر للإستفراد بباقي الدُّول العربيَّة والفلسطينيين.

الملامةُ تقع على الزُّعماء العرب المتعاقبين والذين لم يبذلوا جهوداً صادقةً في سبيل لم الشمل العربي والتَّكاتف تجاه المخاطر الخارجيَّة، خاصَّةً وأنهم يعلمون أن إسرائيل لم ولن تُعر اهتماماً لكل محاولات التَّهدئة والدَّعوات إلى إقرار سلامٍ عادل للصِّراع العربي – الإسرائيلي كما للقضيَّة الفلسطينيَّة وهذا ما يدفعها للإمتناع عن الامتثال لمضمون قرار مجلس الأمن المنوّه عنه، وتعنُّتها في المضي قدماً بسياساتها التَّوسعيَّة وضمِّ القدس الشريف، وهذا ما أدَّى ويؤدي إلى إفشال كُلِّ مُحاولات تحقيق السَّلام ما بين الكيان الإسرائيلي والدول العربيَّة. في ظل عدم التكافؤ في موازين القوة، ووقوف الأمم المتحدة موقف العاجزِ عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، واقتصار دورها على مناشدة السَّلام لا تحقيقه.

رفعَ مآل الأوضاع الإقليميَّة، وبخاصَّة ما أنتجه الربيع العربي من تحولات، من مستوى المخاوف لدى عدد من الدُّول العربيَّة، وجعلها قلقةً على أمنها واستقرارها، وتفاقمت هواجِسها المصيريَّة – الوجوديَّة بسبب إمعان إيران في التمادي بسياساتها التَّدخليَّة في الدول العربيَّة، وإطلاقها التهديدات بصورةٍ مُباشرة حيناً وغير مباشرة أحيان أخرى، واستمرارها في احتلال جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، ووقوفها خلف إطلاق الصَّواريخِ والمُسيَّرات على كل من السعوديَّة والإمارات، ومؤخَّراً مطالبتها بتقاسم مخزون آبار الغاز في حقل الدُّرة مع كل من السعوديَّة والكويت، الأمر الذي دفع ببعض دول الخليج مكرهةً لتلقُّف عروض إسرائيليَّةٍ تطبيعيَّة بتشجيع من الإدارة الأميركيَّة، مُتجاوزين تبنيهم للمبادرة العربيَّة للسلام، وذلك على رغم ما ينطوي عليه خيار التَّطبيع من خطورة على استقرار الدُّول الساعية إليه، وانعكاساته السَّلبيَّة على الشَّعب الفلسطيني وقضيَّته المُحقَّة.

قامت تلك المبادرة على روحيَّة قرار مجلس الأمن رقم 242، وشكَّلت طرحاً عربيٍّ مُتكاملاً لإنهاء الصِّراعِ العربي – الإسرائيلي، إلَّا أن إسرائيل تعمَّدت تجاهلها، على الرَّغمِ من عِلمها أنها تشكِّلُ الإطار الأنسب لمُقاربة مستقبل العلاقة ما بينها وبين الدُّول العربيَّة، كونها تقوم على بناءِ سلام شامل ودائم ينهي حالة النِّزاع العربي – الإسرائيلي ويرسي علاقات طبيعيَّة بينها وبين الدُّول العربيَّة كافَّة. وهي بالنِّسبة للعرب والفلسطينيين على وجه التَّحديد بمثابة حلٍّ يلزم إسرائيل بالجنوح نحو السَّلام كخيار استراتيجي، وإعادة النَّظر بسياساتها التَّوسعيَّة والاستيطانيَّة داخل فلسطين، والقبول بمنطق قيام الدَّولتين، وتسهيل قيام دولة فلسطينيَّة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيَّة التي احتلَّتها عام 1967 أي الضَّفة الغربيَّة وقطاع غزة، تكون عاصمتها القدس الشرقية. كما بانسحاب كامل من الأراضي العربيَّة الأخرى بما في ذلك الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانيَّة، ولم تغفل حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لروحيَّة قرار الأمم المتحدة رقم 194، وعلى نحو لا يُضِرُّ بالدُّول التي تستقطب أعداداً كبيرة من النازحين. وتكمنُ أهميَّةُ هذا الحل في كونه يلقى تأييداً دوليًّا على نطاق واسع.

إن الدُّولَ العربية مدعوَّةٌ لمقاربة المُستجدَّات على السَّاحتين الدَّوليَّة والإقليميَّة وفق رؤيةٍ استراتيجيَّة موحَّدة تأخذ بعين الاعتبار المصالح العربيَّة الجوهريَّة، والبُعد عن المقاربات المنفردة المبنيَّة على حلول تَرقيعيَّة آنيَّة، بدءاً بلَجم مساعي التَّطبيع مع الكيان الإسرائيلي قبل فوات الأوان والاستعاضة عنه بالتَّمسُّك بالمبادرة العربيَّة للسَّلام، وتفويت الفرصِ على الكيان الإسرائيلي للَّعِب على وتر التَّحرُّشات الإيرانيَّة في دول الخليج العربي، وبموازاة ذلك، اعتماد موقف حازمٍ تجاه التَّدخُّلات الإيرانيَّة في الشُّؤون الدَّاخليَّة للدول العربيَّة، وإنذارها بوَقف التَّعامل معها، وعزلها إقليميًّا إن بقيت مصرَّةً على منهجيَّةِ تصدير الثَّورة وتأليب بعض المكونات الشَّعبيَّة على النُّظم السياسيَّة القائمة في دولها. ذاك لأن منهجيَّة التَّسامُح المعتمدةِ مع النِّظام الإيراني تُشكِّل أرضاً خصبةً لمزيد من الابتزاز الذي تنتهجه إيران حيال دول الخليج والمبني على المماحكة وإقلاق الراحة، علماً أن هذا الابتزاز غير مبني على قوَّتها العسكريَّة إنما لكونها كسائر دول الممانعة، أمثال كوريا الشماليَّة وكولومبيا وفنزولا وبوليفيا وغيرها من الدُّول ذات النُّظم الغارقة في مفاهيمها الثَّوريَّة الراديكاليَّة، ليس لديها ما تخسره أو تخشاه عمرانيًّا واقتصاديًّا ونهضويًّا، ولكون سائر دول الخليج العربي تُبدي حرصاً على استقرارها الأمني الذي يُعتبر مرتكزاً أساسيًّا لنموها الاقتصادي ونهضتِها العُمرانيَّة وطمأنينة شعبها، وذلك على غرار سائر الدُّول التي تغلِّبُ مقتضيات السَّلام على الحروب ككوريا الجنوبية وسنغافورة وأندونيسيا وماليزيا واليابان.

لقد آن الأوان لاستخلاص العِبَر من تجاربنا، واستقاء الدُّروس من الإخفاقات السَّابقة، وعلى الدُّول والشعوب العربيَّة أن تعي أن الانتقام من مغامرات صدَّام حسين لا يكون بالتَّخلي عن العراق وتدمير جيشه، والاقتصاص من مهاترات القذافي لا يكون بترك ليبيا تتخبَّطُ في مستنقعها القبائلي، ومحاسبة النِّظام السوري لا تكون بالتَّخلي عن الشَّعب السوري وتركه فريسةً لأطماع خارجيَّة.

إن سياسة تقطيع الوقت ليست لصالِح الدُّول العربيَّة وشعوبها، لذا نتطلُّعُ إلى دورٍ فاعل لجامعةٍ الدُّول العربيَّة، واستغلال تولي المملكة العربيَّة السعوديَّة لرئاستها في الدَّورة الحاليَّة، وما يتمتَّع به ولي عهدها من ديناميَّة لإطلاق مبادرة «لم الشَّمل العربي»، ابتداءً بوقف النَّزيف الدَّاخلي في كل من السُودان وليبيا، وإحباط كل المُخططات التَّقسيميَّة التي تستهدفُ هاتين الدُّولتين وكل من اليمن والعراق وسوريا، وعقد مؤتمرات وطنيَّة للتَّوفيق بين أبناء الوطن الواحد لإخراجهم من أتون تقاتلهم العبثي والانخراط في مشروع إعادة بناء دولهم، وإيلاء أمر حل المنازعات مع كل من الكيان الإسرائيلي وإيران إلى جامعة الدول العربيَّة التي ينبغي تخوّلها التَّفاوض باسم الأمَّةِ العربيَّة جمعاء منعاً من الاستفراد.