Site icon IMLebanon

موسم الثورات العربية… وقفة تأمل

 

من الخطأ وصف عدد من شعوب الثورات العربية التي أمست تستنكف عن الاستجابة لدعوات الثورة والحراكات الجماهيرية، بالجبانة أو المذعورة أو الخانعة أو الراضية بالذل، أو أنها مقتنعة بأنها في الوضع الأكمل الأمثل، إطلاقاً، فلعامة الشعوب حس فطري تلقائي في تقدير مخاطر الثورات والحراكات، والموازنة عند الشعوب بين الثورة ومآلاتها الخطرة والرضا والصبر على واقع الحال بحلوه ومره، وهو ما اختصره المفكر والباحث الجَلِد الصديق الدكتور محمد السعيدي في تغريدته الواقعية العقلانية التي يقول فيها: «الذل الذي يلاقيه الناس تحت الفوضى أعظم بمراحل من الذي يلاقونه تحت الاستبداد. ومن أراد إزالة ذل الاستبداد بذل الفوضى كمن يشرب السم ليداوي الحمى. وتبرير إيقاع الشعوب في الاقتتال والتهجير ونقص الأموال والأنفس والثمرات أسوأ حالاً بمراحل من تزيين الاستبداد في أذهان الحاكمين وفي كلِ شر»، وهذا بالتأكيد صحيح، وهو ما يجب أن تشجع عليه الشعوب لا أن توصم بأوصاف سلبية مثبطة مستفزة.

والدليل على عقلانية بعض الشعوب العربية وواقعيتها في عدم الاستجابة للثورجية، هو أن شريحة كبيرة من الشعوب التي ثارت على حكامها المستبدين المتجبرين أو أزيحوا عن كرسي السلطة بمؤثرات أخرى كحافظ الأسد وصدام حسين والعقيد معمر القذافي وعلي صالح وسياد بري وغيرهم، صارت تتمنى لو أنها بقيت تحت عذاب هؤلاء الجبابرة الطغاة المستبدين ولا العيش في عذابات القتل والشتات والتشريد وسيطرة عشرات الميليشيات وصراعاتها البينية، والاعتماد على ما تجود به الدول الأخرى من هبات وصدقات… سمعت هذه الشجون والزفرات بنفسي من معارضين سوريين وعراقيين وليبيين وصوماليين ويمنيين.

لكن في المقابل يجب على الدول التي يحكمها مستبدون ألا تستكين لمواقف شعوبها الصامتة الصابرة الصامدة، فالقبضة الأمنية الشديدة وظلم الناس وكبت الحريات والزج بالأبرياء في السجون وتعذيبهم وانتشار الفساد والسرقات الممنهجة، كل هذه المظالم مثل الاستمرار في نفخ البالون حتماً سينفجر طال الزمان أم قصر، ولا عبرة بسطوة الحاكم وشدة بأسه وهيمنته، فهذه سرعان ما تنهار في غمضة عين، فمن كان يتخيل أن حكومة كتمت أنفاس شعبها وسيطرت عليه سيطرة مطلقة كحكومة الأسد في سوريا وصدام في العراق والقذافي في ليبيا، صارت بين عشية وضحاها متخلخلة متهلهلة تنخرها التدخلات الأجنبية وتتقاسم السيطرة على بلداتها عشرات الميليشيات وتتنافس على مواردها الاقتصادية دول «ناهبة»، في وقت تمتعت فيه عدد من الملكيات العربية بالاستقرار والازدهار والتنمية، فهي الأكثر رحمة بشعوبها والأحرص على تلبية متطلبات جماهيرها.