IMLebanon

لو كنت فلسطينياً!

 

 

«أحترف الحزن والانتظار أرتقب الآتي ولا يأتي

تبددت زنابق الوقت زنابق الوقت

عشرون عاماً وأنا احترف الحزن والانتظار

عبرت من بوابة الدموع الى صقيع الشمس والبرد

لا أهل لي في خيمتي وحدي

عشرون عاماً وأنا يسكنني الحنين والرجوع

كبرت في الخارج بنيت أهلاً آخرين

كالشجر استنبتّهم فوقفوا أمامي صار لهم ظلٌ على الأرض

ومن جديدٍ ضربتنا موجة البغض وها أنا استوطن الفراغ

شردت عن أهلي مرتين سكنت في الغياب مرتين

أرضي ببالي وأنا أحترف الحزن والانتظار»

(الأخوان رحباني)

 

كنت أراقب على شاشة التلفزيون آلاف الفلسطينيين يبنون خياماً جديدة في مناطق آمنة مؤقتاً، في مناطق رسمتها الطائرات الإسرائيلية، على أمل ألا يتم قصفها، إلا عندما يقرر قائد عسكري مسعور، متحصن في غرفة التحكم والقيادة، بأنّ حمساوياً لجأ إلى خيمة ما. فيبدأ حينها التدمير والقتل، من دون تفريق. لكنني، بالوقت ذاته تذكرت بأسى وحزن كم تكرر مشهد التهجير إلى خيام جديدة، ولكن بيد أنظمة وجيوش عربية، وكم من مخيم دمرته جيوش عربية، من الأردن إلى سوريا إلى لبنان. وكيف يمكن أن ننعت نتنياهو أو شارون من قبله، أو شامير أو مائير أو بيغن بالوحشية، في حين أن من قتل وأباد مدناً بأكملها بالبراميل المتفجرة والغازات السامة وأسكن ملايين البشر في الخيام، يعود إلى الأحضان من دون سؤال أو حساب؟ عندها، سيقول كل من يشبه نتنياهو في إسرائيل بأنّ التاريخ هو أكثر العناصر قسوة ونفاقاً، لذلك فإنّ الأمور بخواتيمها وليس بوسائل الوصول إليها، أو كما قال مكيافيلي في كتاب الأمير «الغاية تسوّغ الوسيلة»…

 

لا أريد أن أسترسل في هذا المقال بكيل النعوت على حكام عرب فاقوا بأضعاف همجية قادة إسرائيل، حتى لا تضيع الفكرة، لكن الشيء بالشيء يذكر، ليس إلا.

 

قد يذهب البعض إلى انتقاد أو شجب ما حصل في السابع من تشرين الأول، وقد يقال إنّ قتل المدنيين، وهو حق، غير مقبول أو مشرّع، بغض النظر عن جنسية أو دين ضحاياه، وهذا عين الحق. لكنني عدت إلى مرثاة الرحابنة وتصورت نفسي فيها. أحترف الحزن والإنتظار، أنتظر الآتي ولا يأتي! فإلى متى أصبر وأنا أنتظر؟ ومن قال إنّ الصبر والحكمة هما السبيل لتغيير الواقع؟ ثم القول إنني كبرت في الخارج وقبلت بالواقع، فلحقتني موجة البغض إلى حيث هجرت عن أهلي وسكنت الخيام تكراراً، أنتظر الموت برصاصة مستوطن صهيوني مسعور أو جندي موتور أو ببرميل متفجر رماه أحد إخوتي. أو الأسوأ، أن أموت يأساً وقهراً، فالبحر من ورائي والعدو من أمامي! فتذكرت قول الجواهري برثاء أخيه مهدي «قل للمقيم على ذله هجيناً يُسخَّر أو يُلجم… تقحّم، لُعنتَ، أزيز الرصاص وجرب من العيش ما يُقسم… فإمّا إلى حيث تبدو الحياة إليك مكرمة تُغنم… وإمّا إلى جدث لم يكن يفضله بيتك المظلم».

 

تصورت أيضاً غيتو وارسو الذي حشر فيه عشرات آلاف اليهود من قبل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية حيث كانوا يعيشون اليأس والجوع وفقدان الحيلة، فلو خرجت مجموعة منهم وقتلت كل ألماني وألمانية صادفوهم على الطريق، ومن ثم خطفت ما تيسر منهم، ليعودوا ويتحصنوا في الغيتو، لكانت اليوم بطولاتهم وعملهم «الإرهابي» ممجداً، ولكانت أسماء أفراد المجموعة «الإرهابية» أُطلقت على شوارع اغتُصبت من أصحابها الفلسطينيين الذي لم يكن لا ناقة لهم ولا جمل في ما قام به الأوروبيون من أعمال عنصرية ضد اليهود، ولا كان هتلر أو إيخمن أو روزنبرغ عرباً ولا فلسطينيين، ولا مسلمين.

 

قد يكون من السهل على من هم مثلي، وقد هرموا وكبرت كروشهم، وذبلت عيونهم، وخمدت هممهم أن ينظّروا عن الحكمة والشرعية واحترام حقوق الإنسان، وقد يقول بعضنا بأن لا دخل لنا ولا طاقة لنا بتحمل تبعات قضية لا تعنينا. لكن، وفي صمت أنفسنا، سنسمع صوت الوجدان يقول: «ضع نفسك في مكان الفلسطيني الذي ينتقل من خيمة إلى أخرى، ويلاحقه الموت واليأس من خيمة إلى أخرى، فما كنت ستفعل؟».