IMLebanon

الربيع العربي ودور الأحزاب الليبرالية

ما من مجتمع احادي الثقافة في هذا «الزمن العالمي». انه التنوع الثقافي في إطار وحدة الإنتماء للثقافة العالمية (تقرير منظمة الأونيسكو الدولية حول «العرق والتاريخ» عام 1964) والذي أعده Claude Levi- Strauss.

وفي العام 1989 أُسقط جدار برلين. انتصرت الديموقراطية على حكم الحزب الواحد. إنه عالم «نهاية التاريخ» على حد تعبير فوكوياما. أي أن الديموقراطية هي الخيار النهائي للحكم في العالم.

يؤكد بيار بورديو في كتابه «عن الدولة» على أولوية الثقافة العالمية على الثقافات الوطنية التي أصبحت ثقافات محلية متفاعلة حكماً مع هذه الثقافة العالمية ومسهمةً فيها.

ويقول عالم الإجتماع الكندي ويل كيملكا عام 2011، ان كلاً منا «مواطن متعدد الثقافات».

وتقول هيلاري كلينتون، في إجتماع مؤتمر منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OCDE) في ايار 2012: «أن العولمة ليست خياراً أيديولوجياً بل مساراً لا رجعة عنه. انها مجموعة قيم مشتركة، أسواق مفتوحة وكفوءة، حقوق إنسان، حريات والتزامات، حكومات ومسؤولون يأخذون بعين الإعتبار، التنافس الحر العادل والشفّاف».

وبعد أن أُقرت شرعة حقوق الإنسان المدنية والسياسية عام 1948 في الجمعية العامة لأمم المتحدة، يتم التداول اليوم عالمياً في إقرار وثيقة ثانية حول حقوق الإنسان الإجتماعية والإقتصادية.

«كانت المجتمعات العربية والإسلامية استثناءً على الحرية» في كتابات الكثير من الباحثين العرب والمستعربين، حتى جاءت الثورات العربية عام 2011 والتي يقول فيها Emanuel todd عام 2011: « اسقطت الثورة العربية مقولة التفرد الثقافي والديني والتي كان يُزعم انها تجعل الإسلام غير متوافق مع الديموقراطية وانها تحتّم خضوع المسلمين لحكم طغاة متنورين في أحسن الاحوال». ويضيف «التشنجات الإسلامية تمثل عناصر مرافقة تقليدية للتشوش الذي يميز أي إنتفاضة، وأن نقطة المآل الأخير للعالم الإسلامي هي بالأحرى نقطة مشتركة مع بقية العالم».

ويقول Denis Bauchard عام 2012: «بعد ستة قرون من السيطرة العثمانية والإستعمارية، وبعد جيلين من الإستقلال، يشهد العالم العربي تحولاً ديموقراطياً تاريخياً لا رجعة عنه». وهذا في كتاب:

Le nouveau monde arabe.Denis Bauchard. Bruxelles. 2012

ليس «الإخوان المسلمون» من قام بهذه الثورات. بل هو جيل ما بعد سقوط جدار برلين.

لكن «الإخوان المسلمون»، ولأسباب خاصة بكل من المجتمعين التونسي والمصري ربحوا الإنتخابات التشريعية. فما سيكون عليه حكم الإخوان؟ هل سيتخلى الإخوان في الحكم عن الديموقراطية؟ أم أن التجربة الديموقراطية نفسها ستكون حافزاً لهؤلاء لتطوير أشكال العمل السياسي وتطور المجتمع المدني؟

إن المعركة من أجل الديموقراطية لم تنجز بعد.

إن الإنتخابات الديموقراطية هي الخطوة الأولى والشرط الضروري على طريق الألف ميل في معركة الديموقراطية.

تقول السيدة مادلين أولبرايت: «الميزة الأساسية للديموقراطية هي قدرتها على تصحيح أخطائها». وهذا في كتاب صادر عام 2008 بعنوان: مذكرة إلى الرئيس المنتخب.

لقد أقرّ «الإخوان المسلمون» في كل من تونس ومصر وسوريا بفصل الدين عن الدولة وبناء دولة مدنية فأسقطت بذلك مقولة «الإسلام دين ودولة«. كذلك فانهم تبنّوا ما ورد في وثائق الأزهر الشريف الثلاث والتي تؤكد، على: 

أولاً: «لا دولة دينية في الإسلام بل دولة مدنية تأخذ بالمقاصد الكلية للشريعة». 

ثانياً: «حرية الرأي والتعبير».

ثالثاً: «حرية المعتقد والإبداع».

وبالتالي فإن مصطلح «الإسلام السياسي»، بما يوحي من مشروع بناء جمهورية إسلامية كما في إيران مثلاً وكما تقره الوثائق السياسية «لحزب الله» في لبنان و»لحزب النور» في مصر لا ينطبق على مشروع بناء دولة مدنية، فليس كل مسلم هو بالضرورة إسلامياً. 

وبما أن مصطلح «الدولة المدنية» يُسقط حكماً مصطلح «الإسلام السياسي» فإنه يُسقط أيضاً المصطلح المتلازم مع مصطلح «الإسلام السياسي» وهو مصطلح «الأقليات». 

فإنه لا يمكننا أن نصف بالمسيحية السياسية، الحزب المسيحي الديموقراطي الألماني الذي تنتمي إليه رئيسة وزراء ألمانيا السيدة (Angela Merguel) كما قال الصحافي (Robert fesk) في مقابلة على احدى أقنية التلفزة اللبنانية. 

عملياً لقد أسقطت الثورات العربية شعار «الإسلام هو الحل». ووضعت الإسلام في تحدي الإجابة عن أسئلة القرن الحادي والعشرين، فهل هي الطريق إلى علمنة الإسلام كما كانت عليه الحال مع المسيحية في القرن الماضي؟

في العروبة الحضارية:

والأهم أن الثورات العربية أسقطت أنظمة الإستبداد السياسي العربي وأسقطت معها الفكر السياسي للقوميين العرب الذي إرتكز إلى مفهومي العرق العربي والدين الإسلامي والذي مورس إستبداداً سياسياً. فأكدت واقع الهوية الوطنية لكل من المجتمعات العربية في كل دولة من الدول العربية وأننا نعيش في العالم العربي وليس في «الوطن العربي».

إنها ثورات ديموقراطية إجتماعية يشارك في إنتاجها مكونات المجتمعات العربية كافة من قومية (عرب ، أكراد، بربر، أشوريون وغيرها) ودينية (مسلمون، مسيحيون، صابئة وغيرها) لتؤكد إنتماءها إلى العروبة الحضارية التي يشكل الإسلام أحد أبرز تجلياتها والتي تظهرها هذه الثورات مجددة بذلك إنتماءها إلى الحضارة العالمية وقيمها في الحرية والتنوع ومسهمةً في إنتاج هذه الحضارة.

في معنى التغيير الديموقراطي عربياً.

أولاً: انه تأكيد للتنوع العرقي والديني في إطار كل دولة من الدول العربية. وبالتالي فإنه إنتصار للعروبة الحضارية التي تشكل أحدى مكونات الثقافة العالمية إذ تشترك في إنتاجها مؤكدة إنتماءها إليها، تنوعاً في إطار الوحدة.

ثانياً: إنه إنتصار للدولة الوطنية وقرارها المستقل. فلا تقسيم ولا وحدات إندماجية قسرية.

ثالثاً: إنه إنتصار للإنفتاح على أشكال التكامل العربي كافة على قاعدة إحترام إستقلالية القرار الوطني لكل دولة من دول العالم العربي.وعلى قاعدة القيم الديموقراطية لأنظمتها السياسية.

رابعاً: إنه إنتصار للقضية الفلسطينية. إذ اسقطت الثورات العربية مقولة «ان إسرائيل هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». لذلك تعتبر إسرائيل خاسراً رئيسياً بفعل هذه الثورات.

خامساً: إنه إستناداً إلى التأكيد على بناء دولة مدنية، إنتصار للعلمانية الإيجابية (Le secularism) بما هي فصل للدين عن الدولة، وتأكيد عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية. وهذا ما دعا اليه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في الوثيقة المقدمة إلى سينودس مسيحيي الشرق عام 2010.وهي بالتالي انتصار لليبرالية وقيمها في الحياة السياسية، الإقتصادية والثقافية.

في النموذج اللبناني:

« لبنان أكبر من وطن… انه رسالة». قال قداسة الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني عام 1997.

اذاً فان مسؤوليتنا كلبنانيين في بناء الوطن الرسالة، ليست فقط مسؤولية وطنية. انها مسؤولية إنسانية.

ان لبنان المتنوع ثقافياً يشكل نموذجاً لمجتمعات العالم الحديث. مجتمعات القرن الواحد والعشرين.

ان مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون هو الشرط الضروري للمساواة الفعلية بين المواطنين ولكن غير الكافي في مختلف المجتمعات مع تفاوت مستويات المؤشرات السوسيو ثقافية لها.

فهل نحن بحاجة إلى «إتفاق طائف» نموذجاً، في المجتمعات التي تتشابه، إلى هذا الحد أو ذاك، مع المجتمع اللبناني؟. وما هي خلاصات هذا الإتفاق؟ 

لقد أقرّ اتفاق الطائف: 

أولاً: بوجود جماعات لبنانية بالفصل بين حقوق الجماعات وحقوق المواطنين الأفراد. فكان قرار بإنشاء مجلس للشيوخ تعبيراً عن هذا الإعتراف.

ثانياً: توزيع الرئاسات (رئاسة الجمهورية، المجلس النيابي، مجلس الوزراء، ومجلس الشيوخ) بعد تحديد صلاحيات كل منها والمقاعد في المجلس التشريعي ومناصب الفئة الأولى في الوزارات والمؤسسات العامة. بما يحفظ رمزياً للجماعات المكونة للمجتمع اللبناني المشاركة في المواقع الأولى للدولة اللبنانية.

ثالثاً: ممارسة السلطة التنفيذية هي من صلاحية هيئة مجلس الوزراء مجتمعاً وليس من صلاحية رئاسة مجلس الوزراء فقط. بما يسمح لممثلين عن الجماعات اللبنانية المشاركة في ممارسة السلطة التنفيذية.

لقد أوقف إتفاق الطائف العد. أي أنه أعطى الأولوية لحفظ التنوع في لبنان على حساب العامل، الكمي أي العدد. فأسقط بذلك مقولة الأقلية والأكثرية واضعاً البنى التقليدية، أي الطائفة في لبنان، ليس في مواجهة مع الدولة بل في إطار بناء مشروع الدولة. يجدر التنويه هنا+ بمقولة المناصفة كنقطة أساس ومحورية في فهم وثيقة الوفاق الوطني اللبناني. والتي أطلق عليها الشهيد المؤسس لثورة الأرز، الرئيس رفيق الحريري: «واسطة العقد للميثاق الوطني».

ان حفظ التنوع في لبنان ليس مسؤولية وطنية لبنانية فقط، بل مسؤولية إنسانية أيضاً. وبالتأكيد فان التجربة اللبنانية تشكل نموذجاً للمجتمعات العربية وغير العربية التي تتظهّر فيها مشكلات اتنية (عرقية ودينية).

إنه النموذج الذي يقدمه لبنان للثورات العربية، وتحديداً «للإخوان المسلمون» في الحكم. الإعتراف بالجماعات المكوّنة للمجتمعات العربية وتوظيف هذه المكونات التقليدية من أجل بناء مشروع الدولة المدنية الوطنية الديموقراطية.

يقول بطرس الأكبر: «لا تخشى التغيير، واسع لكي يكون الغد أفضل من اليوم».