لم ينتج عن «يوم الرياضة الروحية والصلاة» في بيت عنيا أي توافق سياسي مسيحي على إسم رئيس الجمهورية، ولا على مواصفاته للمرحلة المقبلة بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والنوّاب المسيحيين الـ 53 الذين شاركوا في هذه الخلوة… فيما كان يُعوّل على حصول توافق مبدئي على توجّه ما، أو رؤية معيّنة ليُصار بعد ذلك الى مناقشتها مع بقية الكتل النيابية. كما لم يظهر في الأفق حتى الساعة أي تسوية رئاسية داخلية، لا سيما بعد التقارب الإيراني- السعودي الأخير في بكين، الأمر الذي يجعل حلّ الملف اللبناني مؤجّلاً مرة جديدة، حتى موعد انعقاد القمة العربية الثانية والثلاثين في 19 أيّار المقبل في الرياض.
تقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّ القيادات السياسية في لبنان تعمل، مع الأسف، على إضاعة الفرص المتاحة أمامها في كلّ مرّة يُعوّل فيها على التوصّل الى بداية حلّ للأزمة اللبنانية، وترفض الدعوات المتكرّرة للحوار الجدّي والفاعل في كلّ ما يتعلّق بالأزمة السياسية والإقتصادية الراهنة باستثناء خلوة بيت عنيا. وهذا الأمر يرفع أسهم تدخّلات الدول الخارجية المؤثّرة بشكل كبير في الإستحقاق الرئاسي، ويجعلها تفرض اسم الرئيس المقبل، واسم رئيس حكومة العهد الأولى… وإلّا فإنّ الحصار على لبنان سيكون مرشّحاً للإستمرار خلال السنوات الست المقبلة.
وتبرز القمة العربية الثانية والثلاثين على مستوى القادة والرؤساء والملوك العرب كفرصة جديدة أمام لبنان، على ما أضافت المصادر، خصوصاً وأنّ السعودية اصرّت على عقدها على أراضيها، بعد أن كان يُفترض أن تكون في الجزائر، كونها تريد أن يخرج منها تسوية عربية شاملة في المنطقة، لا سيما بعد التسوية السعودية- الإيرانية الأخيرة. فدعوة الرئيس السوري بشّار الأسد الى حضور القمّة والمشاركة فيها، وإمكانية عقد لقاء قمّة بينه وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سيُحدثان خرقاً كبيراً على مستوى الساحة العربية.
فعودة سوريا الى الجامعة العربية، يعني إعادة التطبيع بينها وبين كلّ الدول العربية التي قطعت علاقاتها الديبلوماسية معها منذ بداية الأزمة فيها في العام 2011، وعلّقت عضويتها في الجامعة، والقمّة السعودية – السورية في حال عُقدت على هامش القمّة العربية، تعني تقاسماً لملفات المنطقة، أو على الأقلّ التوافق عليها ومن ضمنها الملف اللبناني. ما يعني عودة الـ س.س. الى الساحة اللبنانية، وإن بشكل مختلف عمّا سبق، لأنّ الظروف قد تغيّرت.
أمّا تقاعس المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد الحلّ لأزمتهم، على ما أكّدت المصادر نفسها، رغم التحذيرات الدولية لهم فمن شأنها إعادة الدول العربية للعب الدور الأكثر تأثيراً في لبنان، بموافقة أميركية من جهة، وإيرانية من جهة أخرى. وبناء عليه، ستجري جوجلة الأسماء ليُصار الى الإتفاق على كلّ من إسم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المقبلين خلال القمّة العربية، في حال ناقشت الدول المعنية الملف اللبناني، وهذا ما يُرجّح. أمّا إذا لم تفعل، فسيكون هذا الأمر مؤشّراً سلبياً على استمرار الشغور الرئاسي لاشهر طويلة بعد، ولعدم إدخال لبنان في التسوية الإقليمية والدولية.
وأوضحت المصادر بأنّه سيكون هناك اتفاق على السلّة المتكاملة للأزمة اللبنانية في قمّة الرياض، على أن يجري انتخاب رئيس الجمهورية في حزيران المقبل من خلال التوافق الأميركي- السعودي- السوري- الإيراني. عندها سيذهب النوّاب الى انتخاب الرئيس من خلال الضغوطات التي ستُمارس على الحلفاء، على أن يتمّ بعد ذلك تكليف الشخص الذي سيتمّ التوافق عليه لترؤس الحكومة المقبلة، ومن أهمّ أسس تأليفها أن تُعيد ثقة الدول العربية بلبنان لكي تعود الإستثمارات الخليجية إليه. أمّا إذا رفض المسؤولون في الداخل هذه التسوية، فإنّ الأزمة الرئاسية والمالية والإقتصادية ستؤجّل مجدّداً من دون وجود أي فرصة جديدة للحلّ.
وبالنسبة للأسماء، فتقول المصادر عينها إنّها كثيرة لكلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وسيُسمّى من قبل السعودي والسوري (والإيراني) كلّ من تتوافر فيه المواصفات التي تتلاءم مع المرحلة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن يجري حلّ كل الأزمات في كلّ من اليمن والعراق وسوريا… على أن يكون التوافق تامّاً بين الرئاستين الأولى والثالثة، لكي تتمكّن الحكومة من العمل والإنتاج وتحقيق الإصلاحات المطلوبة التي تأتي بالإستثمارات الى البلاد.
كما شدّدت الدول المعنية والمؤثّرة على ضرورة الحفاظ على الأمن والإستقرار عند الحدود الجنوبية، لكي يتمكّن لبنان من الإستفادة من ثروته النفطية، سيما وأنّ شركة «توتال» الفرنسية ستبدأ، على ما يُفترض، بعمليات الإستخراج والتنقيب عنها في أيلول أو تشرين الأول المقبلين. وفي حال جرى خرق هذا الهدوء، على ما حصل من خلال عمليات إطلاق الصواريخ الأخيرة، فإنّ الأمر سيطرح علامات تساؤل كثيرة حول الوضع الأمني غير المستقرّ على الحدود مع العدو الإسرائيلي، وسيجعل «كونسورتيوم الشركات» يُلغي الإتفاقية مع لبنان.