تنعقد القمة العربية في السعودية غداً، للبحث في “الحرب الاسرائيلية” المفتوحة على غزة خصوصاً وفلسطين عموماً، بعد مرور اكثر من شهر على الابادة الجماعية التي يشهدها القطاع، الذي بلغ عدد الشهداء فيه نحو 11 الفا غالبيتهم من المدنيين، وثلثهم من الاطفال والثلث الآخر من النساء وكبار السن، اضافة الى عشرات آلاف الجرحى، والمفقودين تحت الدمار الشامل، حيث لم توفر آلة الحرب العسكرية الصهيونية المدنيين، فاغارت الطائرات الحربية على المباني السكنية والمستشفيات والمؤسسات الانسانية والمدارس ومنها تابع للامم المتحدة، وكذلك اماكن العبادة المسيحية والاسلامية، فلاحقت القذائف النازحين الى الاماكن التي لجأوا اليها.
هذا المشهد الكارثي، الذي يتكرر مع كل عدوان اسرائيلي على غزة منذ العام 2008، وقبله على لبنان في صيف 2006، لم يدفع بالدول العربية اولاً، ثم بالامم المتحدة الى وقف “اسرائيل” لعدوانها وعن ارتكاب المجازر والتهجير، والتي التصقت بها منذ اغتصاب فلسطين في العام 1948، اذ استغل الكيان الصهيوني تواطؤ انظمة عربية معه، ودعم دول غربية له منذ وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917، الذي اعطى فلسطين لليهود لانشاء دولتهم المزعومة عليها من ضمن مشروع “اسرائيل الكبرى”، التي شرط قيامها التعجيل بظهور المسيح، كما يدّعي “التوارتيون”.
فالقمة العربية، التي جاءت متأخرة 35 يوما على العدوان، لا يعوّل عليها مرجع ديبلوماسي عربي، لان سقفها معروف سلفاً وهو تكرار لمواقف لفظية لن تحول في مسار الصراع الفلسطيني – “الاسرائيلي”، بعد ان تخلت انظمة عربية عن فلسطين كقضية قومية مركزية، وباتت مسألة كيانية، من خلال عقد “اتفاقات سلام” منفردة مع العدو الاسرائيلي في “كامب دايفيد” بين النظام المصري برئاسة انور السادات والعدو الاسرائيلي برعاية اميركية في 1978، وهو ما لاقى رفضاً عربياً عبّرت عنه قمة عربية انعقدت في العراق وطردت مصر من جامعة الدول العربية في العام نفسه وقطعت علاقاتها معها، واغتيل السادات في العام 1980، ثم حصل الغزو الاسرائيلي للبنان في حزيران 1982، ليكون الدولة العربية الثانية التي توقع سلاماً مع العدو الاسرائيلي، الذي اتى بحكم موال له في لبنان عبر بشير الجميل الذي انتخب رئيساً للجمهورية، فاغتيل ليخلفه شقيقه امين في رئاسة الجمهورية، ووقع اتفاق 17 ايار عام 1984 الذي هو “معاهدة سلام” مع الكيان الصهيوني، لكن القوى الوطنية ومقاومتها رفضته واسقطته، ولم يتحقق المشروع الصهيوني.
من هنا، فان الانظمة العربية التي ذهبت الى “السلام” لم تحقق منه الرخاء الاقتصادي، كما ظن السادات، ولا اعاد “اتفاق اوسلو” الحقوق للشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، او وقف الاستيطان اليهودي، او تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
فالانظمة العربية قدمت التنازلات للعدو الاسرائيلي، فتم الاعتراف به من دول عربية، وتحديداً من منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه لم يتوقف عن مشروعه التوسعي الاستيطاني التلمودي، وهذا ما ولّد حركات مقاومة من خارج سياسة التنازلات والتطبيع، والعمل بمقررات قمة الخرطوم التي انعقدت في السودان في عام 1968 بعد سنة على هزيمة حزيران 1967 للجيوش العربية وانظمتها، فرفعت القمة ثلاث لاءات وهي: لا للاعتراف لا للصلح ولا للسلام، والتي انتجت حرب تشرين عام 1973، التي بالرغم من فشلها بفعل التدخل الاميركي الذي انقذ “اسرائيل” من هزيمة، فانها رفعت من معنويات الجندي العربي، وفق ما يؤكد المردع، الذي يشير الى ان العالم العربي منقسم الى خيارين “السلام” او “الحرب”.
فالمقاومة والانظمة التي اختارت نهج “السلام” لم تحقق للمسألة الفلسطينية شيئا من استعادة الحقوق المشروعة، بل ابتعدت عن الصراع الذي لم يعد قوميا، بل تحوّل الى حلول منفردة كل “دولة تدبّر رأسها”، وهذا ما فعله ياسر عرفات الذي طالب بالقرار الفلسطيني المستقل، في حين ان سوريا كانت تطالب بحل شامل وعادل وفق قرارات الامم المتحدة، وذهبت الى مؤتمر مدريد “للسلام” الذي انعقد في عام 1991، من ضمن وفد عربي واحد اي الاردن وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن “ابو عمار” عقد “اتفاق اوسلو”، والملك حسين اتفاق “وادي عربة” وبقيت سوريا خارج اي اتفاق، وتشبث الرئيس حافظ الاسد باسترداد كامل الاراضي السورية المحتلة.
لكن اتفاقات “السلام” المنفردة لم تحقق غاياتها، فكانت مبادرة الملك السعودي الراحل عبدالله للسلام في قمة بيروت، التي تطالب بحل الدولتين في العام 2002، حيث لم تسلك طريقها للتنفيذ، لان “اسرائيل” لا تقبل الا حل الدولة الواحدة وهي دولتها التوارتية.
من هنا، فان القمة العربية ستخرج بقرارات حول غزة معلومة سلفاً، وهي تكرار تبني مبادرة قمة بيروت للسلام، ووقف اطلاق النار، وفتح معبر رفح كاملاً لدخول المساعدات الانسانية الى القطاع.
لكن ما لن تتمكن القمة من الاتفاق عليه، هو لمن السلطة في غزة، كما في الدولة الفلسطينية الموعودة، اذا لم يتم القضاء على حماس.