لا أقصد بالقبيح دميم الوجه، بل رواية تحدثت عن قبح الأخلاق والنفس، عادت بي الذاكرة إليها وأنا أتابع المشهد الحالي الذي نشاهده جميعاً.
«الأميركي القبيح» رواية نُشرت قبل أكثر من 50 عاماً، تتعلق بمفارقات بين سفير أميركي وآخر روسي، وفيها تتضح العقلية الأميركية للمسؤولين الذين يمثلون عادة الارستقراطية وأولوياتها، مقارنة بالعقلية الروسية للفئة ذاتها الأكثر تعاطياً ومنطقية مع الظروف المحيطة.
الرواية التي ألفها وليم لدرد ويوجين بردك أخذت أبعاداً كبيرة بعد نشرها لأنها نبهت إلى كارثة وطنية في أميركا وجب إدراكها لما شكلته من كناية ترمز للأميركي الجشع الذي لا يفقه إلا لغة الربح والخسارة في جميع تعاملاته بخلاف الفوقية التي يتعامل بها، وغروره ونرجسيته، أي بمعنى أشمل أخلاقياته، وهو ما كان، إذ تحرك إثرها السيناتور جون كينيدي لاحتواء ذلك المشهد بعد انتخابه رئيساً.
من الواضح أن الأميركي القبيح ما زال حاضراً وبقوة حتى بعد مرور أكثر من 50 عاماً، ولعل عضو الحزب الجمهوري ليندسي غراهام جسد ذلك القبح عندما سمح لنفسه بأن يخرج ويتحدث نيابة عن شعب دولة محورية في العالم ذات سيادة ليحدد من يديرها، ذلك هو القبح الأميركي، فكيف يجرؤ أي كان على أن ينصب نفسه خليفة الله في الأرض ليقرر من يبقى ومن يستمر؟ والمضحك في الأمر أن ما استند عليه غراهام فنده مراسل صحيفة «الصباح التركية» التي شكلت رافداً غزيراً لقصص وروايات وهمية نسبتها لتسجيلات مزعومة بحوزتها تتعلق باختفاء الإعلامي جمال خاشقجي، ليتضح في ما بعد أن تلك التسجيلات إنما كانت كذبة سقط جراءها إعلام مستعرب بجانب إعلام غربي لم تشفع له مبادئه ولا إرثه الذي يدعي من الانحدار اللا أخلاقي.
ليس غراهام فقط هو القبيح، فالإعلام الأميركي لا يقل قبحاً والغربي عموماً، إذ نشطت قريحة القصص والأفلام لدى صحف أميركية وأوروبية وباتت تكتب استناداً إلى تلك التسجيلات المزعومة التي وصلت لدرجة أن إحدى الصحف ادعت سماع جزء منها قبل أن تنكرها الصحيفة التركية!
مثلما قيل، القاعدة الذهبية أنه لا توجد قاعدة ذهبية، ففي جميع القوانين والأنظمة الظاهرة والمخفية، الطبيعية والوضعية، الأخلاقية وحتى غير الأخلاقية، المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لكن في الحالة التي نشهدها اليوم، الأمر مختلف جداً فالسعودية متهمة إلى أن تثبت براءتها!
تناقض مزعج، لكنه على الأقل ليس مفاجئاً أن نشاهده في الغرب ولا سيما عندما يتعلق الأمر بدولة إسلامية، فكيف وهو يتعلق بالسعودية؟ لكن الأكثر إزعاجاً وإيلاماً وقبحاً بطبيعة الحال هنا هو «العربي القبيح» الذي جند كل إمكاناته لقيادة حملة تشويه تستهدف السعودية، فنسج القصص والروايات وقام بترويجها وتسويقها من دون أي اعتبار للصدقية والمهنية والأمانة الصحافية، مبرراً نشر تلك الأكاذيب بأنها استناداً إلى مصادر تركية تقوم بتسريب المعلومات والتطورات. من هي تلك المصادر؟ لوهلة تخيلت أن مكتب المدعي العام التركي يعمل مراسلاً لـ«الجزيرة» على سبيل المثال، فهو قدم لهم جميع الأدوات اللازمة لتأليف رواية مضللة، ورواية تتبعها أخرى تنفيها، إلى يومنا هذا، فهل أشبعت تلك الروايات شغفهم في الإثارة والإساءة والطعن؟
حملة التشوية لا شك في أنها أساءت للسعودية بشكل أو بآخر، لكن هل بلغت درجة لا يمكن تخطيها؟ جميع المعطيات تؤكد قدرة السعودية على تخطي هذه الأزمة والقائها خلفها، بل الخروج منها بمكاسب ما كانت لتتحقق لولا التجارب القاسية. لكن الإشكالية والأمر المؤسف، وهو ما لم يعره أولئك اهتماماً، أن ذلك التشويه لن يقف عند السعودية، بل سيرتد عليهم، وينسحب على بقية العالم الإسلامي، وكلما أمعنوا في الإساءة للسعودية كلما أضروا بقضايا العالم الإسلامي بأكمله، قد لا يهمهم الأمر كثيراً، فهم تجردوا من الأخلاق والمبدأ، فما الذي يدفعهم للحرص، وهم يتغنون بجنسيات دول أجنبية يشتمونها تمويهاً، على عالم إسلامي تنكروا له مقابل من يدفع أكثر؟ قصتهم واضحة، لكن أين من ينفق عليهم ويتبناهم ويقدم لهم أدوات الكذب والدجل، في وقت يدعي فيه الحرص على الإسلام والعروبة وحقوق الجار؟ هل وصلت الوضاعة في «الجزيرة» القناة وموقعها إلى هذا الحد من الفكر الإخباري (الإخواني) المتدني …. ألهذا المستوى بلغ بهم الفجور؟
الغرب لا يهمه سواء كان التهريج صحيحاً أم لا طالما يمكن توظيفه لاتهام العرب والمسلمين بالهمجية، إضافة إلى أنه يخدم أجنداتهم، وما أكثرها. لكن شأني شأن كل سعودي، أقولها، وبثقة، بعيداً عن «الأميركي القبيح» ورغماً عن أنف «العربي القبيح»، ستنجح السعودية بتخطي هذه الأزمة على رغـــم صعوبتها، وستخرج أقوى مما هي عليه اليــــوم، وأكـــثر تمسكاً بقيادتها بالحلم السعودي «أميرها الشاب»، وهـــــو بالمناسبة الحلم الذي أرعب القاصي والداني، وخلق له وللمملكة الكثــــير من الأعداء، واذكروني جيداً، ما بعد خاشقجي لن يكون مثل ما قبله.