تتكدّس الأحداث والمستجدات السلبية بما يدفع بنا إلى الاستعاذة بالله من شرّ ما حصل، وبصورة خاصة، من شرور ما قد يحصل، ضارباً عرض الحائط كل السدود والموانع، ومتجاهلا كل المساعي المحلية والخارجية للملمة ما أمكنه من مساوىء وتحديات هذه المرحلة الحرجة من تاريخ هذا الوطن الذي يتابع هبوطه إلى مزيد من نار جهنم الموقدة له ولمواطنيه ولوجوده المهدَّد بالزوال.
أهي الإنتخابات، التي أوقدت كلّ هذه الإنفعالات والتطورات، حيث يندفع كلُّ فريق إلى تطوير تمثيله الإنتخابي حتى ولو كان وقود الإندفاعات الحادة، تجييشاً طائفياً ومذهبياً ومناطقياً كائناً ما كانت العراقيل والموانع؟
أهو السعي إلى الإطباق على كلِّ الكبائر والصغائر التي ما زالت تحتاج إلى مزيد من الجهد والتحركات الإستيعابية لأية جهة وأي قطاع وأي موقع ما زال يحاول الإبتعاد عن الإطباق على أعناق الوطن وأنفاسه أرضا وشعبا ومؤسسات؟
أهو الإحساس والإدراك بأن المرحلة القائمة حافلة بالجهود الدولية والإقليمية لترسيخ واقع سياسي وأمني يتم من خلاله رسم خرائط جديدة وتحديد اقتسامات جديدة تكون فيها دول العالم الثالث الوليمة التي يتم التهامها من قبل كل صاحب قدرة على الإلتهام، وإتمام عملية الهضم بما لديه من إمكانات ووسائل تنفيذ واحتواء؟
فجأة بدأت تنهمر على الساحات، جملة من الأحداث الخطرة!
فجأة، وبعد نشوة النصر لدى البعض نشأ عن تأليف حكومة ينتظرها الداخل لإراحة أحواله، ويدفع إليها الخارج لإصلاح أوضاعٍ كان لا بد من الإمساك بمزالقها وفي طليعتها وضعية الإقتصاد المهترىء وثغراته الكهربائية، فكانت شرطا صارما لا تصل دون تحققه أية قروض وأية مساعدات، وهكذا نبتت واستفحلت مشكلة متعلقة بالقضاء الناظر في كارثة إنفجار المرفأ ولواحقها المعنوية والإنسانية والقضائية، واصبح القاضي بيطار، مشكلة المشاكل ومدعوا إلى التخلي عن الإستنسابية في انتقاء متهميه، والإدعاء عليهم. وبصرف النظر عن صوابية هذا الشق الإتهامي للقاضي بيطار، فهو قد كان مدارا لثورة جامحة في أوساط حزب الله، بدأت بتهديد وجاهي من قبل الحزب طاوله بدويٍّ تهديدي منذ البداية في مكتبه في قصر العدل، ثم انتقل الإتهام والتعنيف إلى مجلس الوزراء، حديث الولادة والمتحفز مبدئيا للعمل الإصلاحي، فقامت قيامة أحد وزراء الحزب على القاضي «المتهم» وصلت إلى حدود التهديد بانسحابات الثنائي الشيعي من الجلسة بل ومن الحكومة التي قيل أنها حيادية ومنزهة عن الإنتماءات، وذلك إذا لم يعمد مجلس الوزراء إلى إقالة القاضي المذكور صاحب الذّنب غير المغفور، وكانت النتيجة: شلّ الحكومة وتعطيل جلساتها بل وجودها كله، وهي بالكاد قد أبصرت النور، وبدأت مرحلة الحفر في صخور الواقع الصلبة، وكانت النتيجة السريعة تجميد الوضع الحكومي وشلّ حركة «الدولة اللبنانية» بكل أسسها ومقوماتها، وقد تجمدت في الوقت نفسه كل الجهود المبذولة لاكتشاف الحقيقة الضائعة لانفجار المرفأ وأسفرت في الوقت نفسه عن انشقاق في صلب لجنة أهالي المنكوبين، فإذا برئيسها والناطق بإسمها باندفاع وحماس، رئيسا منشقا عن ربعه، متزعما لربع جديد ضم إليه فريقا مذهبيا منفصلا عن مجمل العائلات المنكوبة!
وتوالت الأحداث: مظاهرة للثنائي الشيعي نقلت وسائل الإعلام تفاصيلها واختراقاتها التظاهرية وصولا إلى منطقة عين الرمانة. ولسنا في إطار هذه الكلمة في وضعية نقل التفاصيل المرتبطة بها والناتجة عنها مكتفيين ونحن بصدد هذا الحدث الجلل، بالترحم على أرواح من طاولهم الرصاص في مختلف المواقع وبمختلف أنواع الأسلحة. وقامت القيامة، ولم تقعد بعد.
ad
خلاصة لا بد من جوجلتها: كثيرون رأوا في ما حدث تسعيرا للأوضاع المتردية وتفعيلا لمخاطرها وكانت لذلك نتائج وتطورات طاولت القوات اللبنانية، وبشكل خاص رئيسها سمير جعجع، وانتقلت بقدرة القادرين إلى المجال القضائي حيث تم استدعاؤه للإستماع إليه لدى المحكمة العسكرية وسط طعن في صوابية هذا القرار، سواء من ناحيته القانونية والتفاصيل الإجرائية التي واكبتها، أم من الناحية السياسية، حيث تم إغفال وضعية معقدة الظروف والنتائج لزعيم مسيحي بارز لم تتم مراعاة وضعيته في منطقته ولدى طائفته وشوارعه.
وطرأت بعد ذلك، قضية وزير الإعلام في عزّ الحشرة وعزّ التناقضات التي رأى فيها البعض وكأنها مقدمة لحرب أهلية قد لا تبقي ولا تذر، وكانت جملة من الإتهامات الحادة حيث طاولت وطالبت «الوزير الخطير» بالإستقالة فدافع عن نفسه (ومعه كثيرون من مشاركيه في الرأي والموقف) معتبرا أن تصريحه الملتهب قد حصل قبل توليه المنصب الوزاري وإن تشبث لاحقا بمضمونه ممتنعا عن القيام بمبادرة التخفيف من وقع التطورات السلبية عن طريق الإستقالة والتخفيف والتلطيف من أهوال الوضع المستجد، ولم تكن مفاجئة، كل تلك المواقف الخليجية التي أحدثها تصريح الوزير قرداحي الهمايوني، كأنما كانت حدثا وموقفا تنتظره المملكة ودول الخليج العربي كمناسبة لإبراز جملة من المواقف والإتهامات التي سبق أن كانت قيد التسامح والركون المؤقت، فإذا بها تقلب العلاقات مع السلطة اللبنانية رأسا على عقب، حيث وصل الاحتقان والتردي في العلاقة إلى طرد السفراء اللبنانيين واستدعاء سفراء المملكة في لبنان وإذا بنا نواجه كلّ احتمالات السوء التي كانت متوقعة نتيجة للمواقف اللبنانية من المملكة وبلدان الخليج، وفتحت لها كلّ الملفات، قديمها والحديث، وكان المتهم الأساسي فيها، حزب الله، الذي قلب الأوضاع اللبنانية بكل جوانبها العربية وانتماءاتها التاريخية الأصيلة إلى وضع الإتهام العربي الواضح والرضوخ لاحتلال إيراني لم يترك زاوية من زوايا السلطة والتحكم إلاّ وأطلق العنان لنفسه ولجيوشه البالغة «مائة الف مقاتل» كما ذكر السيد حسن نصر الله، وكانت مع أمور أخرى كثيرة، دافعا إلى هذا الموقف القاطع والحاد للمملكة ولدول الخليج، وأصبحت كل القضايا صغيرها والكبير، أمام تحديات ومستجدات خطيرة باتت تهدد الوضع الداخلي اللبناني بأمنه ووحدة وسلامة أهله وبنيه، وأصبحت إحتمالات النزاع قائمة بشكل ألهب الداخل والخارج، مما أطلق جملة من الجهود المحلية والخارجية، وإن كان هناك من يخشى من إمكانية أن يفلت الزمام المحتقن من أيادي المبادرين «والإطفائيين»، خاصة وأن هناك من يؤكد أن كل ما جرى وكان أمور مشغولة بدقة ولغايات في نفوس مدبرة راكمت التطورات والأحداث والتوقعات، وها نحن في صلب القلق على وضعية مفتوحة الإحتمالات السلبية على الغارب. وقى الله لبنان وأهله من كل مكروه ومن كل اختلاق وافتعال.