يتساءل الكثيرون اليوم، وهم يتطلعون الى واقع العالم العربي بدهشة؟ هل هذا هو الوطن الذي كان موجودا في الماضي، فعايشه بعضنا وقرأ عنه البعض الآخر، وهل هذا هو الوطن الذي تغنّى به الأدباء، ومجّده الشعراء؟ وهل العرب ما زالوا أمّة واحدة؟ هل كان كل ذلك حقيقيا؟ أم أنه كان مجرّد أوهام او كما يقال: أضغاث أحلام؟
إن أحدا في العالم العربي اليوم، لا يمكن أن يكون مرتاحا، لما آلت إليه أمور العرب وأحوال دول هذا الوطن الممتد من «المحيط الهادىء» الى «الخليج الثائر»، او معجبا بالوضع العربي الراهن.
إن حالة عدم الاعجاب هي حالة منطقية، وربما كانت ضرورية، فهي تدل على شعور المواطن العربي بالظلم والقهر والحيرة والدهشة التي يعيشها في بلاده.
إن السؤال ماذا يجري في العالم العربي؟ منطقي ومشروع، ولا يحتاج الى كثير من الجهد والعناء في البحث. فإن ما يعانيه المواطن والوطن العربي، من دمار وخراب خير شاهد على ما أقول. وان ما يحدث برأيي ليس صدفة، وليس وليد اللحظة، بل هو مخطّط قديم جديد يقضي بتفتيت الأمة العربية وهذه بعض المحطات التي لا بد من التوقف عندها كي تتضح الصورة.
أولاً: السودان: لقد التحق السودان رسميا بالدول العربية، التي أعلنت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. غير ان هذه الخطوة قوبلت بردود فعل متباينة لدى السودانيين. فمنهم من رأى ان التطبيع خيانة، فيما يؤمن آخرون بأنه سيكون مفتاح «الازدهار الاقتصادي».
وبالعودة الى هذا البلد العربي الافريقي، نجد أن السودان كان على صراع مع أثيوبيا حول مياه النيل، وفجأة ومن دون مقدمات عادت المياه الى مجاريها عبر الوسيط الأميركي، وانتهت العداوة بينه وبين إسرئيل بتطبيع غريب مريب، في توقيته ومضمونه… وهنا يبدو السؤال محيّراً، وهو يحتاج الى وقفة تأمليّة تحليلية لمعرفة الأسباب الدافعة لهذا التغيّر المفاجىء..
ففي تطورين شبه متزامنين، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب وقّع مرسوماً، برفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وأن الخرطوم وتل أبيب اتفقتا، بوساطة أميركية، على تطبيع العلاقات بينهما. وَوُصِفَ اتفاق التطبيع المبرم بالتاريخي.
إن اتفاق التطبيع الذي أعلن بين إسرائيل والسودان في ٢٣ تشرين الأول من العام الحالي ٢٠٢٠، يجعل السودان خامس دولة عربية بعد مصر عام ١٩٧٩، والإمارات والبحرين في أيلول ٢٠٢٠ توقع اتفاقية سلام بين البلدين، الى اتفاق وادي عربة مع الأردن، وليصبح المغرب سادس المطبعين.
والسؤال أيضا وأيضاً… ما الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية الى إجراء هذه الوساطة؟ ولماذا تمّ الاتفاق بهذه السرعة؟.
قد تكون أهداف أميركا إثبات هيمنتها وسيطرتها المطلقة على العالم.. وقد يكون هناك سبب آخر يرمي الى تفتيت الشعب العربي، من خلال خلق معسكرين أحدهما مؤيد للتطبيع والآخر ضده…
ثانياً: العراق:
إن الغزو الأميركي للعراق في ١٩ آذار من العام ٢٠٠٣، او معركة الحواسم او حرب الخليج الثالثة او احتلال العراق والتي استمرت حتى الأول من أيار من العام نفسه، وبمساعدة دول أخرى مثل بريطانيا وأوستراليا وبعض الدول الأخرى، هذا الغزو الذي انتهى بسيطرة الولايات المتحدة الأميركية على بغداد.
لقد قسمت الأزمة هذه، العرب، حيث شاركت الجيوش المصرية والسورية في التحالف، ما أثار استنكار دول عربية أخرى. وبالتالي فإن آثار احتلال العراق ما زال يترك تداعياته على هذا البلد المنكوب، الذي بدأ يعاني من تفتّت وتشرذم، حتى بات العراق الذي كان يعتبر ذات يوم أغنى من المملكة العربية السعودية، محتاجاً، فتوقف ضخ نَفْطِهِ او كاد، ونُهِبَت موارده… وكل ذلك حوّل بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات) الى صحراء شبه قاحلة، وانهارت العملة الوطنية، وتهاوى الاقتصاد، وذلك برأيي، وجه آخر من وجوه الإرادة الأميركية في القضاء على العالم العربي، من خلال تفتيته وتجزئته، واللعب على أوتارٍ عرقية ومذهبية، لم تكن موجودة من قبل.
ثالثاً: دور الإخوان المسلمين:
إن نتائج مراجعة الأحداث التي تعصف بالوطن العربي بدقّة، تبيّن بوضوح ان نشاطات الإخوان المسلمين، لعبت دوراً سلبياً في زعزعة الاستقرار ضمن بلدان الوطن العربي. فالدور الفكري والسياسي والتنظيمي لهذه الجماعة، في التطرف، وغياب المفهوم الديموقراطي، الذي برز في توجهات هذه الجائحة، جعل كل هذا يترك ردود فعل واسعة على المستوى المحلي. إنها تعتمد ومن خلال تركيا وقطر على اعتماد العنف للوصول الى تحقيق المصالح السياسية.
ألم يكن دور الإخوان في مصر خلال تولي السلطة (٢٠١١ – ٢٠١٣) واضحا. فالجماعة لم تبذل ما يكفي من الجهود لإبداء الاعتدال السياسي، او التزامها بالقيم الديموقراطية. وفشلت في إقناع الشعب المصري بكفاءتها او حسن نواياها… وهي أعادت التأكيد بأن لديها استعداداً لتأييد العنف، بما في ذلك الإرهاب، عندما يكون التدرج بالتغيير غير فعّال في تحقيق أهدافه ونتيجة دراسات معمّقة، تبيّن بما لا يدع مجالاً للشك، ان لا مشكلة بين الإخوان وإسرائيل.. وهذا يظهر بوضوح ان الهدف الأول والأخير هو زعزعة أمن الوطن العربي، والسيطرة عليه، وتفتيته وشرذمة شعبه.
رابعاً: اليمن:
كان اليمن في الماضي سعيدا (اليمن السعيد) بثروته، وتقدمه وأصالته وإيمانه بوطنه، وأمته العربية. وفجأة حوصر اليمن في حرب أهلية، خَلّفت ما يزيد على العشرة آلاف بريء، في حين دفعت هذه الحرب الملايين منهم الى حافّة الموت جوعا.
لقد بدأت الحرب حين أجبرتْ انتفاضة شعبية الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان في السلطة عام ٢٠١١، على تسليم الحكم لنائبه عبد ربه منصور هادي. وكان من المفترض أن يجلب ذلك الانتقال السياسي الاستقرار الى اليمن، لكن الرئيس هادي واجه صعوبات مختلفة، بما في ذلك هجمات المتشددين، واستمرار ولاء العديد من الضباط العسكريين للرئيس السابق، او لعقائد مصدّرة إليهم من الخارج.
وتدخلت ايران، ودعمت الحوثيين، رغبة في تصدير الثورة الإسلامية، من خلال تشييع الشعوب خارج إيران… فتفاقم الوضع… حتى باتت «اليمن السعيد» تتصف بانعدام الأمن، وعمّ الفساد فيها، حتى صار شعبها من أفقر شعوب دول الشرق الأوسط.
خامساً: دول محور الممانعة:
وأتساءل… كيف هي الحال مع دول محور الممانعة… وكيف تعيش شعوبها في هذه الأيام…؟
أ – في سوريا: تدهورت الأوضاع، وانقسم البلد بين نفوذ روسي، وآخر إيراني وثالث تركي، ورابع إسرائيلي… والحزب العظيم يفرض سيطرته على غير مكان منها… والوضع تحوّل الى مأساة بكل ما في الكلمة من معنى.
ب – في العراق، الحال مزرية وقد بيّنا ذلك في صلب هذا الموضوع ويريدون أخذنا في لبنان، الى هذا المحور… وكأن شعب لبنان، لا يكفيه ما يعاني من فقر وحرمان شديد: اختفت ودائع المواطنين، واستفحل الغلاء، وغابت عنه المساعدات، بفضل سياسة أبعدت عنه العرب والغرب على حد سواء، والحاكم مُسْتلقٍ على كرسيّه، غير مهتم بما يحدث… المهم ان محور المقاومة والممانعة راضٍ عنه و«الرزق على الله».
إنّ ما يحدث في وطننا العربي، يثير الريبة والشفقة، ويعزّز الشكوك بأن مؤامرة كبرى حيكت خيوطها بدقّة وتأنٍ… إنها مسمار دُقّ في »نعش الوطن العربي«… فهل يستفيق العرب بعد كل ما حدث؟