Site icon IMLebanon

ماذا يجري في العالم العربي (٢)

 

إن الوطن العربي، لا يمكن أن يكون في فوضى أكثر ممّا هو عليه الآن، كما أشرت في الحلقة الأولى. لقد صار العرب، وبوحي خارجي يتصارعون من أجل أتفه الأمور، فتحوّلت بلدانهم الى ركام على يد طوائف متنافسة.

 

ما يحدث في عالمنا العربي، مؤلم جدا، إذ بات العرب يفتقدون لأدنى مقومات الشراكة في اللغة او التاريخ او الثقافة… ومؤلم جداً أيضاً، أن يتعارك من يُفْترَضُ فيهم أنهم إخوة، إن هذا التناحر والتقاتل، جعلني أتوقف مليّاً عنده، لأن هذه المنطقة من العالم، التي كان ينبغي لها أن تكون غنيّة بشكل طبيعي، جعلت نفسها – وبمساعدة خارجية – فقيرة من خلال ترك الماضي يدفن المستقبل بشكل متكرّر، فمن يتأمل في وضع العالم العربي، لا بدّ وأن يستغرب ويتساءل: هل هذا الوطن هو الذي قرأنا عنه في المدارس؟ وهل العرب لازالوا أمة واحدة؟ وهل حقا بلاد العرب اوطاني، وان كل العرب إخواني؟

 

لقد صار الجوّان السياسي والاجتماعي مشحونين الى أقصى حد، ينذران بعواصف عنيفة هبّت على الوطن العربي، وهمت ما زالا ينذران حتى اليوم بعواصف أعنف ستهب عليه.

 

وهنا لا بد لي من أن أذكر العراق، الذي خرج في نهاية الثمانينات من حرب طاحنة مع جارته إيران.

 

ولأبدأ كما ذكرت قبل قليل بالعراق، الذي مهما قلنا وتحدثنا عنه، لن نختلف على الحكم عليه بأنه كان من أغنى البلدان، لولا الحرب المدمّرة التي »حيكت ببراعة« بينه وبين إيران وبتدبير محكم ومتقن الى أبعد الحدود، ثم ما شهدنا بعد ذلك من غزو العراق للكويت، ثم الحرب على العراق التي رسمت واقعه المرير.

 

إن ما يحدث في العراق، وفي عالمنا العربي بشكل عام، شيء مرعب ومخيف. ومن المرجح أن الأمور ستزداد سوءا في العقدين المقبلين. فهناك شبه انحطاط يكاد يعم الوطن العربي كله، وهناك شبه تكالب من الدول الأجنبية على هذا الوطن… لقد استفرد الغرب بعالمنا الذي أصبح شبيها بذلك البطل اليوناني الذي كان يسير وهو نائم. ولن يقوم عالمنا العربي من جديد إلا بإجراء نقد ذاتي قوي وصريح، على صعيد مفكّريه، وعلى صعيد بلدانه المختلفة، وعلى صعيد جامعته العربية.

 

إن حديثنا اليوم عن العراق، يتوجّب الإحاطة بما يتيّسر من معلومات مدققة ووثائق، عن الانخراط الملموس لعدة قوى غربيّة في المنعطف الايراني آنذاك. والبداية حتما ستكون بعنوان عودة الخميني. وهنا نبدأ من فرنسا التي وصل اليها آية الله في ٦ تشرين الأول عام ١٩٧٨، قادما من العراق، بعد إبعاده من منفاه في بغداد، ورفض الكويت استقباله. وسرعان ما تحوّل مقر إقامة الخميني في نوفل لو شاتو الى خلية لإدارة الانتفاضة ضد الشاه. وكان تأثير أشرطة التسجيل التي أرسلها الخميني الى الداخل الإيراني شبيهاً بأثر التواصل الاجتماعي في أيامنا.

 

وهنا يمكنني تقديم العديد من الانتقادات للولايات المتحدة الأميركية بسبب سياستها الملتبسة خلال الثورة الايرانية وأتساءل:

 

أولاً: لماذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر بطيئة في تحليل الأزمة في ايران؟

 

ثانياً: أعتقد ان الهدف الأميركي يومذاك، صبّ في مصلحة الخميني، لأن الولايات المتحدة الأميركية، أرادت الهيمنة على العالم العربي من خلال تقسيمه، وهي التي دفعت الخميني الى ما وصل اليه، لتصدير الفكر الفارسي، والمذهب الشيعي الى خارج ايران وتحديدا الى الدول العربية المجاورة، لإحداث انقسام شيعي سني، تستطيع أميركا من خلاله تفتيت العراق وبقية بلدان الوطن العربي وبالتالي الهيمنة عليه ونهب موارده وسلب خيراته.

 

إن هدف الولايات المتحدة، كان تنصيب نظام ديني يساعدها في عرقلة تقدم الوطن العربي.

 

ثالثاً: أعتقد أيضا ان قرار إدارة كارتر، بالتخلي عن الشاه، كان لتركيب حصن أفغاني ايراني، يمنع موسكو من الوصول الى المياه الدافئة، بالرغم من الظاهر في الوثائق عن إقناع بريجنسكي لرئيسه كارتر بإلغاء اجتماع كان مقررا بين الخميني والمبعوث الأميركي ثيودور إليوت كان اقترحه وزير الخارجية سيروس فانس والسفير في طهران وليام ساليفان.

 

لقد اقتنع كارتر أخيرا أن حاكم إيران الشاه، استبدادي، وعليه أن يغادر مخلّفا وراءه وزارة لا تحظى بشعبية، وجيشاً في حالة من الفوضى.

 

ولا أنسى التذكير – حسب وثيقة رسمية – ان الخميني اقتنع هو الآخر بأن وجود الأميركيين في إيران أمر مهم للغاية، وذلك لمواجهة النفوذ السوفياتي الملحد والبريطاني.

 

لقد أصبح العراق اليوم، يعاني على كل الأصعدة تقريبا، بعد تراجع عائدات النفط، مصدر الدخل الرئيسي للحكومة، وتفشي فيروس كورونا، وفشل الحكومة في الحصول على مساعدات مادية لمكافحة هذا الوباء.

 

وعلى الجانب الأمني، لاتزال الميليشيات المدعومة من إيران، تشنّ هجمات منظمة على القوات الاميركية.

 

إن الشعب العراقي اليوم يعيش أسوأ أيامه، منذ الحرب العراقية الايرانية، والانتفاضة وعهد صدام حسين..

 

كذلك فإن ما يجعل الوضع قاتماً في العراق، هو ان مزيج الأزمات التي يعاني منها قد قضى على الاقتصاد بأكمله تقريبا. فقد تم تعليق جميع القطاعات الانتاجية، وبتنا نشهد شللاً شبه كامل في الحياة الاقتصادية، فلا توجد صناعة ولا سياحة ولا وسائل نقل، كما تتأثر الزراعة بهذا التراجع الي حدّ ما.

 

إن احتياطيات العراق تبلغ ٢٦ مليار دولار، وهو ما يعتبره صندوق النقد الدولي غير كافٍ. إشارة الى ان القطاع الخاص في العراق محدود… حتى ان الشعب العراقي بدأ يئن تحت وطأة هذا التدهور، وبات يتساءل: الى متى يمكنه أن يتحمّل هذا العبء، كما راح يطالب بعزل الطبقة السياسية الحاكمة، وإنهاء النفوذ الإيراني الذي ومن خلال صراعه مع تيار الإخوان المسلمين الذي تقوده تركيا، جعل من أرض العرب بيئة حاضنة لتنازع التيارات والمذاهب والأحزاب.

 

إن العراق اليوم، أمثولة حيّة، لما يجري في العالم العربي، وهو تحوّل الى أرض خصبة، كغيره من البلدان العربية، لتقبّل ما يُملى عليه من الخارج… فماذا أنتم فاعلون يا عرب؟