IMLebanon

ماذا يجري في العالم العربي (3)  

 

 

ما يجري لعرب افريقيا، يختلف بالشكل. عما جرى لعرب المشرق العربي، وان كان المضمون واحداً، يرتكز الى رغبة الغرب في تفتيت البلدان العربية، وتقسيم شعوبها والجلوس على أنقاضها بغية نهب ثرواتها، واستعباد المواطنين فيها، واستغلالهم الى أقصى حدود الاستغلال.

 

لقد تجاوز الاسلام في البلدان العربية الافريقية حدود الدولة، ليكون قومية أيضاً، ذلك ان شعوب تلك الدول تتحدث لغة ينازع فيها الطابع الفرنسي الوجود العربي، خصوصاً قبل الصحوة القومية التي أدّت الى نجاح حركة التعريب في الجزائر، وكانت إيذانا بالتحول الكبير في هويّة تلك الدول.

 

ولو أخذنا النموذج الجزائري كدراسة حالة، لاستكشاف ما نسعى الى تأكيده، فإننا نتذكر – ولا شك – ان ذلك الشعب الباسل قاوم الاستعمار الفرنسي ببشاعته وضراوته، بينما الطرفان يتحدثان تقريبا لغة واحدة، هي الفرنسية. فكان مصدر التمييز الوحيد بينهما هو الدين، حتى أصبح الاسلام بحقّ دينا وقومية في آن واحد. ويمكن أن يكون هذا التمييز سبباً في محاولة الغرب اقتسام مغانم دول عرب افريقيا.

 

أما في ليبيا، فقد ظل البلد (مملكة وجمهورية) رقماً صعباً في تلك المجموعة، ففي ظل حكم آل السنوسي كانت ليبيا بمثابة اللغز الغامض. فالسنوسيّة طريقة، دينية شاركت في حرب الاستقلال ضد الطليان والبريطانيين أيضا. لكنها ظلّت تتأرجح بين الاقتراب من مجموعة الدول التي تسير في فلك «الناصرية» ومجموعة الدول التقليدية التي كانت تعاديه وترفض سياساته وظل الأمر كذلك حتى قيام ثورة الفاتح من ايلول عام ١٩٧٠، إذ فرض نظام القذافي اسم ليبيا على الساحة الدولية نتيجة سياساته الصاخبة وأفكاره الغريبة أحياناً، والمستحيلة أحياناً أخرى.

 

ومن هنا جاءت هذه السياسات مدخلاً لتدخل الغرب في الشؤون الليبية بدءاً بحادث «لوكربي» الشهير.

 

لقد الت الأمور في «ليبيا القذافي» الى مواجهة حادة بينه وبين معظم الحكام العرب. وقد استمر حكم القذافي ما يزيد على الأربعين عاماً، إشارة الى ان أموال القذافي تدفقت على جماعات تؤمن بالعنف واحترفت الإرهاب أيضاً.

 

ونستطيع الجزم ان مسيرة القذافي أفسحت في المجال للقوى الأجنبية للتدخل، وها هي ليبيا اليوم و«عربها» يعيشون حالاً من التفتت والتشرذم والانقسام… ودول عدة تريد ابتلاع ما تستطيع من خيرات هذا البلد، من فرنسا، الى تركيا، الى روسيا ومحاولات إيرانية «من تحت لتحت»، الى جهود أميركية «من بعيد لبعيد» وأحياناً تتحول الى جهود واضحة المعالم مكشوفة.

 

نفط ليبيا مستباح، مطارات ليبيا واقتصادها في خبر كان، وثرواتها تبدّدت هنا وهناك… والليبيون – وللأسف الشديد – يبكون على الأطلال.

 

أما في مصر، فللحكاية وجه آخر، ففي ظل الحديث عن مستويات الفقر، يبرز دور الانفجار السكاني في تعقيد وضع الحلول المناسبة لدفع عجلة النمو الاقتصادي… فحسب ما يراه المراقبون والباحثون، فإن النمو الديموغرافي هو أخطر مشاكل مصر… كما ان «زرع» تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا يقل خطورة، وان كانت الحكومة المصرية نجحت في تحجيم هذا الوجود الى حد كبير.

 

إن معضلة الانفجار الديموغرافي تؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي، لأن الموارد المصرية محدودة.

 

فإذا أضفنا الى ذلك كله، ما عانته مصر، من تدخل تركي سافر، من خلال تنظيم الإخوان المسلمين، أعاد الى الأذهان، أسباب تراجع مصر اقتصاديا – لأنها لم تُتْرَك من دون تدخلات في شؤونها وقد فرضت حالاً من الفوضى، والقهر، والإمعان في تجويع الناس، وحرمانهم من أدنى حقوقهم.

 

أما في تونس فقد أتاحت ثورتها فرصة حقيقية للتحرر والنهوض، غير مسبوقة في التاريخ العربي المعاصر، منذ الاستقلال. فقد سلمت من كل المطبات التي واجهتها وأفشلت مثيلاتها في دول عربية أخرى، إذ كانت ثورتها ثورة سلمية أسقطت النظام ولم تسقط الدولة. ووحدت الشعب تحت الراية الوطنية، وعلى قضايا وطنية، وأوجدت زخما كبيراً ورفعت سقف التطلعات عاليا. ومع ذلك فشلت التجربة كما فشلت مثيلاتها، إلا إذا سلّمنا بأن سقف النجاح العربي هو الاستقرار وتجنب الاقتتال، وهذا تحصيل حاصل في تونس.

 

ولكن حاولت القوى الأجنبية أيضاً، وبكل ما أوتيت من قوة، افتعال حرب أهلية وفرض أجندتها. إذ لم يكن مطلوبا في تونس سوى إفراغ الثورة من مضمونها وتمييع أهدافها، لإعادة منظومة الوصاية والفساد والاستبداد بشكل أكثر مقبولية.

 

لقد أرادت القوى الأجنبية إحداث «رَجّة» نفسية وانتفاضة تعتمد الدين مدخلاً، وتحويل هذا المدخل الى رؤية ملهمة، او الى حلم وطني مشترك. والهدف أولاً وأخيراً إضعاف البلد وإنهاكه والسيطرة عليه وعلى مقدراته فبفضل مفاهيم دينية وحياتية مغلوطة ومشوّهة، أراد الغرب نشر عقلية تتقبل الكسب السريع السهل الذي يدفع بالتالي الى الطرق الملتوية، التي تكرّسها الفساد.

 

هذه بعض تصورات استقيتها من واقع تعيشه أمتنا العربية اليوم، في ظل وضع مجهول، لكنه مخيف، يدعو الى الريبة والحذر، ويفرض علينا اليقظة من خلال تساؤل مشروع شبه دائم: ماذا يجري في العالم العربي اليوم؟