بين التوتير الأمني الداخلي والإسرائيلي ومساعي الحل الخارجية
جاء إغتيال الناشط والكاتب السياسي المعارض لقمان سليم قبل أيام، ليؤكد صحة المعلومات والتحذيرات التي توافرت قبل اكثر من شهر لدى الاجهزة الامنية على إختلافها، عن إحتمال حصول عمليات إغتيال وعودة الخلايا الإرهابية النائمة الى العمل في لبنان بعد إنعاشها في سوريا والعراق، وحصول أعمال شغب وتخريب في الشارع. وتزامن هذا التوتير الداخلي مع توتير إسرائيلي متصاعد للوضع العسكري مع لبنان وإعتداءات عنيفة متتالية على سوريا. حيث شهد الاسبوع الماضي عمليات تحليق مكثفة للطائرات من دون طيار من الجنوب الى الشمال، وصولاً يوم الاثنين الماضي إلى الضاحية الجنوبية، وهو ما ادى الى إسقاط طائرة فوق الجنوب بصارخ أرض – جو، وسقوط اخرى بطريقة لم تُعرف حسب إعتراف العدو الاسرائيلي.
هذا التوتير الداخلي والاسرائيلي دفع الوضع اللبناني إلى مزيد من التعقيدات والتوترات السياسية بسبب الاتهامات التي وجهت إلى حزب الله بإغتيال لقمان سليم، وبالتزامن مع تعقيدات تشكيل الحكومة، ومع تعقيدات وغموض المشهد الاقليمي بعد عودة الحديث عن توجّه الرئيس الاميركي جو بايدن إلى إعادة التفاوض مع ايران حول الملف النووي وضمناً ربما حول ملف صواريخها الباليستية، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة إعادة ترتيب العلاقة الاميركية الخليجية، لا سيما وان دول الخليج معنية بشكل مباشر بالملف الايراني.
كل ذلك أيضاً تزامن مع الزخم الفرنسي الذي تجدّد لمعالجة الازمات اللبنانية واولها ازمة تشكيل الحكومة، والذي تمثل بإتصالات مكثّفة مع الاميركيين ومع بعض الدول الخليجية، حيث افيد ان الرئيس إيمانويل ماكرون سيزور دولة الامارات العربة المتحدة المملكة العربية السعودية الشهر الجاري، وتتركز محادثاته مع كبار المسؤولين في ابو ظبي والرياض على كيفية مساعدة لبنان للخروج من ازماته المتعددة، كما يطرح مشاركة دول الخليج لا سيما في إستئناف المفاوضات الاميركية – الايرانية.
وثمة معلومات موازية تفيد ان إدارة الرئيس جو بايدن بصدد إشراك الدول الخليجية ولو بصورة غير مباشرة في المفاوضات مع إيران، واخذ ملاحظاتها وهواجسها وربما بعض إعتراضاتها بعين الإعتبار، لأن تحقيق الإستقرار في المنطقة إما يكون شاملاً كل دولها وإما لا يكون. وعلى هذا يُمكن معرفة مسار الاوضاع بأي إتجاه تسير واي نتائج يمكن ان تُحقق.
كما ان هناك من يحاول فصل المسار الاميركي – الايراني عن المسار اللبناني الداخلي، لأن الأول يمكن ان يطول أشهراً، بينما الوضع اللبناني المتهاوي لا يحتمل مزيداً من الوقت ومن التفاوض، خاصة ان العقد امام تشكيل الحكومة وأمام تحقيق الاصلاحات المطلوبة معروفة ومعروف مصدرها، ويمكن حلّها بتنازلٍ من هنا وتنازل من هناك، خاصة مع تأكيد رئاسة الجمهورية مراراً ان الرئيس عون هو من يفاوض حول تشكيل الحكومة وان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لا يتدخل، وإن كان البعض يرى ان باسيل له مطالب واهداف اخرى أبعد من مسألة تشكيل الحكومة، تتعلق أساساً بحفظ دوره وحماية موقعه وتياره بعد العقوبات الاميركية المفروضة عليه.
في القراءة السياسية العميقة لما يجري، وبعيداً عن تفاصيل الخلافات اللبنانية الداخلية الصغيرة حول تشكيل الحكومة، لم ينتفِ بعد البُعد الخارجي في تعقيد المشهد السياسي وغير السياسي اللبناني. فألأمن مرتبط بإستقرار سياسي غير مُحقّق، ومعالجة الاوضاع المعيشية والاقتصادية المنهارة مرتبطة بدعم عربي ودولي غير متوافر حتى الان. وكلاهما مرتبطين بما سيتحقق من تفاهمات كبرى تنعكس على لبنان سلباً إذا فشلت وإيجاباً إذا نجحت. وهذا ما يدركه الجانب الفرنسي الذي يسعى لتخفيف ثقل الاوضاع الاقليمية الضاغطة على لبنان، عبر المساعي مع اميركا ودول الخليج لتليين المواقف والشروط، أولاً من تشكيل الحكومة، وثانياً من سبل تقديم الدعم.
وفي كل الاحوال، يَنتظر الوضع الداخلي عودة الرئيس الحريري من رحلاته الخارجية للوقوف على الخبر اليقين ومدى نجاح إتصالاته في معالجة الازمة الحكومية، وتهدئة التوتر الداخلي السياسي والامني.