Site icon IMLebanon

الحل.. في العودة إلى العرب!

 

اقتراب الدولار من محطة العشرين ألفاً، استمرار مواكب الذل أمام محطات البنزين، افتقاد الأدوية من الصيدليات، زحف العتمة المتسارع، ارتفاع الأسعار الجنوني، نفاد احتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة، الانهيارات المتنقلة من قطاع إلى آخر… كلها مؤشرات على مستوى الانحدار الذي وصل إليه البلد، قبل أن يصل إلى القعر النهائي.

ad

 

لا شك أن انتشار سرطان الفساد بهذا الشكل العلني والمخيف في السنوات الأخيرة، وسوء الإدارة المالية إبان الأزمة، وعدم وضوح الرؤية في المعالجات الناجعة للأزمات المتراكمة، والمزايدات الشعبوية بين الأطراف الحزبية… عوامل ضاعفت من وطأة الأزمة المصيرية التي تُمسك بأعناق اللبنانيين، وتهدد مستقبل الأجيال الصاعدة.

 

إن إستمرار تردد أهل الحكم، وعدم تجرّئهم في اتخاذ القرارات الصعبة، وتأجيل إلإقدام على إجراء العمليات الجراحية الصعبة للبنية الإقتصادية والتجارية، والفشل في فتح قنوات حوار وتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وفقدان ثقة الدول المانحة بالمنظومة الحاكمة… وقائع درامية فاقمت الأزمات تراكماً، وزادت التداعيات تعقيداً، وأوصلت البلاد والعباد إلى الإفلاس الحالي.

 

ولعل أصل البلاء الذي تُعاني منه البلاد، أن أهل الحكم لاهون في البحث عن الحلول في القشور، من دون الدخول إلى عمق الموضوع، وسبر أغوار الملفات الشائكة التي تسببت تراكماتها بهذا الانهيار المريع.

 

وهنا يُصبح التساؤل مبرراً ومشروعاً: هل أصل الأزمات في لبنان اقتصادي ومالي بحت… أم أن الأساس هو في الإدارة السياسية الحالية، وممارساتها المنحرفة عن الالتزام التقليدي للبنان بالخط العربي، وخروجه من سياسة التضامن العربي، والابتعاد بخياراته عن القضايا العربية باتجاه «محور الممانعة» الذي تقوده إيران بمواجهة دول واستقرار الإقليم العربي؟

 

المقاطعة العربية للدولة اللبنانية لم تأتِ من فراغ، ولا هي من بنات الصدف السيئة، بقدر ما جاءت نتيجة تفريط الحكم الحالي بعلاقات الأخوة والتضامن مع الأشقاء، والالتحاق بالمحور المعادي للعرب، فضلاً عن تحويل لبنان إلى منصة لمهاجمة القيادات العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، ومصدراً لتهريب المخدرات إليها عبر شبكات عابرة للقارات، تتخذ من البلد المنكوب منطلقاً لعملياتها.

 

إذن، أساس المشكلة المصيرية في لبنان سياسي، وليس اقتصادياً أو مالياً، أما الأزمات النقدية والإقتصادية فهي من نتائج المشكلة السياسية الأساسية!

 

لذلك ليس من المتوقع أن تنجح المعالجات العرجاء، والقرارات العشوائية في الحد من الإنحدارات المالية والاجتماعية والمعيشية المتلاحقة، في ظل استمرار عقدة الثقة بين السلطة اللبنانية الحالية والدول العربية الأخرى، وبسبب استمرار الوضع السياسي اللبناني تحت الهيمنة الإيرانية بقيادة حزب الله، الذي يشكل القاطرة الرئيسية للعهد الحالي.

 

استمرار الحال الرسمي على هذا المنوال، يعني أن لبنان سيبقى يتخبّط في لجّة الأزمات المتداعية، وينتقل من قعر إلى آخر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويعود أهل الحكم إلى سلوك الطريق المناسب للعودة إلى الصف العربي.

ad

 

لقد أصبح واضحاً أن الحل الإنقاذي لوطن الأرز يكمن في العودة إلى الخيارات العربية، من دون أن يعني ذلك إفتعال خصومة سياسية أو ديبلوماسية مع إيران، أو مع دول «محور الممانعة» الأخرى.

 

أما البحث عن بواخر بنزين ومازوت من إيران، أو الاكتفاء برفع أسعار المحروقات، والعجز عن الحد من ارتفاع الدولار، والتحسر على ارتفاع أسعار السلع الغذائية الجنوني، فكلها تُجسد حالة الضياع عند الحكم، كمن أضاع مفتاح بيته في شارع، وراح يبحث عنه في شارع آخر.

 

نقطة البداية تكون في تشكيل حكومة قادرة على إعادة تصويب السياسة الخارجية للبنان، ورفع راية الخيارات العربية عالياً، والإستفادة من تجربة مصطفى الكاظمي الحكيمة والجريئة في العراق، حيث استطاع أن يُعيد فتح الأبواب مع الأشقاء العرب، من دون أن يدخل بخصومة مع إيران.

 

لم تعد هوية الحكومة العتيدة ذات أهمية، سواء كانت مدنية أو عسكرية، المهم برنامج الأولويات الذي ستعتمده، ويكون في مقدمته إصلاح ذات البين مع الأشقاء العرب، بموازاة فتح ملفات الإصلاح والكهرباء والمحروقات، حتى تستطيع إخراج البلد من دوامة الفشل والفراغ.

 

أما الحديث عن أولوية الانتخابات النيابية فلا ينفع في المسيرة الإنقاذية، لأن القانون الحالي سيعطي المنظومة الفاسدة فرصة تجديد جلدها، ويُعيق عملية التغيير المنشودة.

 

لبنان المريض بحكامه يُحتضر… فهل مَن يوصل المريض إلى غرفة الإنعاش قبل لفظ أنفاسه الأخيرة؟