IMLebanon

العالم العربي بمواجهة المستعمرين الجدد…

 

في ما تعلق بالنزاع الأميركي- الإيراني، يمكن بادىء ذي بدء إستخلاص الآتي:

 

في الوقت الذي أحكمت فيه الولايات المتحدة إطباق الطوق الإقتصادي على العنق الإيراني، وفي الوقت الذي يجاهر فيه المسؤولون الأميركيون بإمكانية اللجوء إلى ضربات عسكرية محددة إذا ما عمدت إيران إلى محاولة الإفلات من الطوق الإقتصادي الخانق المفروض عليها عن طريق عمليات اختراق أمنية تعتقد أنها تشكل سبيلها الوحيد للتنفس المالي والإقتصادي والحفاظ على وضعها الداخلي بعيدا عن الإشكالات الأمنية والإجتماعية المتوقعة، إذا بالحكومة البريطانية تبرز إلى الساحة كعنصر من عناصر الصراع القائم، فتحتجز ناقلة نفط إيرانية بحجة توجهها بحمولتها النفطية إلى سوريا بما يخالف المواقف الأوروبية بصدد تعاملها مع النظام السوري، وإذا بإيران ترد الصاع بحجزها لناقلة بترول إنكليزية كردة فعل على ما أسلفته إنكلترا لإيران في هذا النطاق متهمة إيران بالقرصنة الموصوفة ومخالفة القوانين الدولية كون عملية الإستيلاء الدونكيشوتية على الباخرة الإنكليزية قد تمت في المياه الدولية وبالتحديد في المياه الإقليمية التابعة لسلطنة عُمان.

 

واقع الأمر، أن إنكلترا، الغارقة في مشاكلها الداخلية خاصة ما تعلق منها بتفاصيل خروجها من الاتحاد الأوروبي، وبالتغيير الحاصل على مستوى رئاسة الحكومة البريطانية والخلافات الداخلية التي تدور حول هذا الخروج أدت إلى خسارة رئيسة وزرائها لموقعها الرئاسي، وما يدور حولها من حملة انتخابية حامية الوطيس تتنازع فيها الأحزاب البريطانية الرئيسية على حكم البلاد، واقع الأمر أن المسؤولين البريطانيين باتوا يصرّحون بأن إمكاناتهم العسكرية البحرية ضئيلة ومتراجعة عن إمكانات الأمبراطورية البريطانية التي ولت أيامها التي كانت لا تغيب عنها الشمس والتي آلت إلى تراجعات هائلة على كل المستويات، الإقتصادية والإجتماعية فضلا عن العسكرية، وواقع الأمر الآخر أن الولايات المتحدة الغارقة هي الأخرى في مشاكلها الداخلية وأهمها مشكلتها مع رئيسها ترامب وسياساته شديدة التناقض والإضطراب، ورغبته في التجديد لولاية ثانية، ما فتئت تسعى إلى تغطيس الآخرين وفي طليعتهم حلفاؤها، في معمعة الصراع الأميركي – الإيراني، وكانت أولى ثمار هذا السعي بالنسبة لبريطانيا، إحتجاز السفينة الإيرانية من قبل البحرية البريطانية لم يلبث أن تلاها رد إيراني مماثل لم يخل من المشاهد الإستعراضية متمثلة بعملية الاختطاف الأكروباتية، وتطلق الأوساط البريطانية في هذه الأيام جملة من التساؤلات العاتبة والمآخذ المنتقدة للحليف الأميركي الذي لم تصدر عنه أية ردة فعل تمدّ يد العون إلى البحرية الإنكليزية التي يبدو أنها ليست مستعدة بما فيه الكفاية للإستمرار في عمليات الخطف المتبادل ووضع بريطانيا أرضا وشعبا ومؤسسات في موقع المغامرة في إغراق مرافقها واقتصادها المضطرب ومشاكلها السياسية الداخلية، على كفّ عفريت الأحداث التي باتت تطل على ساحة المعابر البحرية الدولية والمواقع الإستراتيجية التي تجاورها، بل وصل الأمر بوزير خارجية الولايات المتحدة إلى التصريح بأن على إنكلترا حماية سفنها ومصالحها بنفسها وبقوتها الذاتية. بريطانيا باتت بالتالي غارقة في حرج مع شعبها ومع أوضاعها ومع توقعات كثيرة لا يبدو أنها مستعدة لها بالقدر الكافي إن لم تبادر حليفتها الأولى إلى مزاملتها ومواكبتها العملانية في هذا الصراع المستجد، مع الإشارة والحال باتت ما ذكر إلى سعي مستجد لبريطانيا لتشكيل قوة بحرية أوروبية بقيادة بريطانية – فرنسية لمراقبة الممرات البحرية والدفاع عنها إذا دعت الحاجة العملانية.

 

كما هو الحال ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا، الحال نفسه ما بين الولايات المتحدة مع حلفائها الآخرين في العالم بمن فيهم حلفاؤها في العالم العربي. ها هي حرب اليمن المدعومة ظاهريا منذ اندلاعها من قبل الولايات المتحدة، تمر بها الأيام عاما بعد عام والحال فيها تزداد اندلاعا وتعقيدا ولا تصل إلى حدٍّ ينهي حالة الحرب في ذلك البلد المنكوب. وها هي المؤسسات التشريعية في الولايات المتحدة تعترض وتتخذ قرارا بإلغاء صفقات السلاح مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي اعترض عليه الرئيس الأميركي بما له من حق «الفيتو» واستنادا إلى مبدأ المصلحة العليا للولايات المتحدة في بيع السلاح بمليارات الدولارات وانطلاقا من مبدأ معتمد بعلانية وعنجهية، وبلغة التاجر والسمسار الجشع، بأن على البلاد التي ترغب في الإستحصال على حماية الولايات المتحدة أن تدفع ثمن تلك الحماية، ولتستمر الحروب المتجددة والمتمددة قائمة ومتمادية دون تمكين، من بيدهم الشأن من إنهائها على برّ ما، يضع حدّا لحالة الفلتان القائم، دون أن تتمكن الشرعية اليمنية من إنهاء حالة الحرب لمصلحة شعب اليمن ودولته ومؤسساته الدستورية.

 

وبعد بقدر ما ابتلى العالم العربي في العقود الزمنية الأخيرة بذلك الإكتساح الإيراني – الفارسي لأرضه وسيادته وعروبته ومؤسساته القومية والدستورية، وبقدر ما دفع هذا الإجتياح الحاصل بكثير من دولنا العربية إلى مهاوي الإنهيار والتقزيم والتقسيم والتفتيت، بقدر ما يتضح أن الإدارات الأميركية المتتالية، وبالتحديد إدارة الرئيس ترامب، لها «الفضل» الأهم والأوسع في حالة الإختلال والتراجع الشديد التي نعيشها في مجمل أنحاء العالم العربي. إنها المطامع الإستعمارية الحديثة، تتجدد ويتغير «أبطالها» ومنفذوها والمعتدى عليهم هم أنفسهم: العرب وأرضهم ومقدساتهم ومصالحهم وكراماتهم.