Site icon IMLebanon

«العالم العربي»… كذبة تفضحها الأرقام

تحتاج إلى الانتقال من بيروت إلى اسطنبول، وإلى نحو مئة خبير من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإلى ساعات من المحاضرات والمداخلات والبيانات والأرقام… لكتشف مقدار تخلّفنا. لكن الأهم، لتدرك باللمس والرقم، كم أن كوننا عالماً عربياً، هو مجرد كذبة، أو مزحة سمجة، أو وهم خطر.

على ضفة البوسفور، هذا ما حاول اكتشافه على مدى يومين كاملين، مجموعة كبيرة من الاختصاصيين: كيف ندخل ما نسميه العالم العربي، ضمن أجندة العالم المعاصر، عبر قمة الدول العشرين؟ عربياً، السعودية وحدها بين تلك الدول صاحبة الاقتصادات الأعلى في العالم. لكنها طبعاً لا تصلح جسراً، ولا وسيطاً ولا مدخلاً لعالم الضاد إلى عالم داو جونز. فتصدّت للمهمة تركيا. في سلطنة إردوغان، هذا كان موضوع البحث: كيف نجعل العالم يلتفت إلينا؟ كيف نقنع قمة العشرين المرتقب انعقادها في تركيا في تشرين الثاني المقبل، تنتبه إلى أن هناك شقفة من الأرض اسمها دول عربية، في ما لا يتعلق بالإرهاب والذبح وإحراق البشر أحياء وإحراق الفرص بلا حياء؟! كيف نسمع العالم المتقدم صوتاً، صرخة، حشرجة، بمعنى أننا لم نمت بعد، وأننا نحاول الحياة؟!

على هامش الأبحاث تكتشف أمراً آخر. أن نكون متخلّفين، هذه مسلّمة. أن نعرف اسباب تخلّفنا، مسألة قابلة للنقاش، بين استبدادنا وفسادنا كطبقات حكام وسياسيين وناس أيضاً. لكن أرقام اسطنبول تظهر كارثة أخرى: اننا لسنا عالماً واحداً. لسنا متجاورين ولا متحاذين. نحن لسنا في بقعة جغرافية واحدة. نحن لسنا عالماً عربياً واحداً ولا شرق أوسط واحداً ولا «مينا» واحدة مع شمال أفريقيا ولا كل تلك الأوهام. نحن لسنا إلا كِذبة، أو كَذَبة!

هذا ليس تقييماً قيمياً أو ذاتياً. إنها خلاصات الأرقام. مثلاً، ودائع المصارف العربية سنة 2014، هي نحو، انتبهوا إلى الرقم: 3100 مليار دولار. نعم أكثر من 3 تريليون. في المقابل، فجوة تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية نفسها، هي نحو 120 مليار دولار. ليس الأمر هنا مجرد رقمين. لا إنه أكثر من ذلك. إنه ما يشبه الفضيحة. أي أن ثروات هذه المنطقة المخزّنة في صناديقها وحدها، بمعزل عن صناديق العالم وسويسرا والغرب، هي تقريباً 30 ضعف ما يطلبه ابناء المنطقة نفسها، من أجل تنميتهم الأولية. من أجل أن يجدوا عملاً بسيطاً أو فرصة حياة أو نافذة بقاء. هذا هو المعنى الحقيقي لمؤشر الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. إنه عدد الناس المساكين، لكن الطموحين، المعوزين، لكن الكفؤين، الذين يبحثون عمن يقدم لهم قرضاً، مبلغاً من المال كدين، مع فائدة، ومع ضمانات، ومع كل التشريعات اللازمة للنجاح وحفظ المال وتثميره وإعادته أكثر مما هو، مقابل أن يتمكن إنسان ما في منطقتنا، من أن يبقى فيها، وأن يستمر في الحياة على ارضها، وأن يكون كذلك بكرامة. لا متسولاً، ولا ثائراً، ولا إرهابياً ولا جائعاً ولا تكفيرياً نتيجة إيديولوجيا أو جوع أو مرض… هكذا يملك أثرياء هذه الدول، 3100 مليار دولار، للتكرار مرة أخرى، في مصارف هذه الدول وحدها، من دون ثرواتهم الأخرى المكدّسة والمخبأة في غير مكان وأمكنة من العالم، لكنهم يرفضون إعطاء شعوب هذه البلدان، 120 ملياراً فقط، كديون مضمونة السداد، من أجل أن تحيا تلك الشعوب، ومن أجل أن تضخّ الزخم المطلوب في اقتصاداتها ومجتمعاتها…

فضيحة أخرى تكتشفها في اسطنبول عن أنفسنا وأحوالنا، خصوصاً عن تلك الأسطورة المسمّاة سوقاً عربية. كم هي نسبة التجارة العربية البينية؟ أي كم هو حجم كل ما يتبادله هؤلاء الحكام المصنفون عرباً، في ما بين دولهم ومزارعهم وإقطاعياتهم؟ الجواب، وانتبهوا أيضاً إلى الرقم: عشرة في المئة فقط. فقط عشر ما نتاجر به، يذهب إلى منطقتنا. تسعون في المئة من التجارة والصادرات العربية هو مع العالم الأبعد. رقم يصدم. صدمته تصير أكبر عند إجراء مقارنة بسيطة: بلجيكا مثلاً، دولة أوروبية، ودولة مرفئية، ودولة تجارة مفتوحة مع كل العالم. لكن على سبيل المثال، 74 في المئة من تجارة بلجيكا مع جوارها. مع أنها غير مندمجة مع محيطها. ومع أنها منقسمة على ذاتها نتيجة تعدديتها. ومع أنها من البلدان التي بدأت تعاني عدم اندماج مهاجريها من المسلمين مع وجدانها ومع جوارها… رغم ذلك كله، تتبادل بلجيكا ثلاثة أرباع تجارتها مع جيرانها، ولا يتبادل ابناء القومية العربية العظمى والأمة الواحدة ومنصهرو اللغة والتاريخ والجغرافيا والدين والجامعة والثرثرة… إلا عشرة بالمئة من مبادلاتهم. السبب؟ بحسب الخبراء، أن في أوروبا ديمقراطية. أما عندنا فاستبداد. هناك ثمة شفافية. اما عندنا ففساد.

عالم عربي؟! فلندفن الفكرة موقتاً، حتى ننسى أن متوسط دخل الفرد في إحدى الدول العربية، من دون تسمية، هو 94 ألف دولار سنوياً، فيما هو في دولة شقيقة أخرى، وبلا تسمية ايضاً، 1700 دولار. عالم واحد نحن؟! حتى الأمس لم نكن كذلك إلا بالوهم. اليوم لسنا كذلك إلا بالدم.