IMLebanon

اللهجة – الأم

 

لا اتوانى، في هذا الكتاب، أو في تلك الندوة التلفزيونية، عن قراءة او سماع الكلام عن: اللغة-الأم، ومنها الاحتفال العالمي هذا الاسبوع (21 من هذا الشهر) باللغة-الأم. وهو التعبير المناسب لها في العربية، أو الفرنسية وغيرها، فيما استحسن الحديث عن اللهجة-الأم.

 

لا أحتاج إلى دروس العالِم الفرنسي الراحل جاك لاكان لكي أؤكد معه وبعده ان الطفل “يرضع” لغته الأولى مع أمه قبل أي شخص آخر. وهي لغة عامية حكماً، لا الفصحى، ولا المعربة بأي حال.

 

هذه حالٌ بدئية لا يتم الوقوف عندها، ولا التفكر في معانيها ونتائجها الفردية والاجتماعية. نحن عاميّون بسليقتنا، بتلقائيتنا، بسجيتنا، فيما لا نصبح… فصحاء إلا بالتعلم، بالقراءة، عبر المدرسة والكتاب.

 

هذا الواقع ليس بجديد ابداً. لا يعود إلى سياسات استعمارية للتفرقة بين الناطقين بالعربية، بل هو حال الطفل العربي منذ عصور بعيدة. وإذا كان هناك من عربية معربة في قديم القرون، فإنها كانت تتم عبر السليقة في أوساط قبلية ولغوية “مغلقة” (بمعنى ما) في أحوال كثيرة.

 

هذا ما يُسقطه كثيرون في درس العربية، في تعلمها، في فهم سَرَيانها، فيما تبدو الفصحى، في صورة مزيدة، بعيدة أكثر فأكثر عن ابن المقفع والجاحظ والمتنبي، وأكثر قرباً من لغة الأغاني الخفيفة.

 

بلى، هناك لغة فصحى، وتعلمية، وثقافية، وأدبية، إلا أنها تتراجع في صورة مؤكدة أينما كان. باتت أشبه بلغة “مُقْحَمَة”، بل منزوية، في أوساطها الاجتماعية والطبيعية. باتت أقرب إلى لغة مفروضة. لغة بعيدة عن الكلام. لغة تشير إلى صور الإرهاب والصور الكريهة عن العربي، عن المسلم. لغةٌ يتمّ النظر إليها من تحت إلى عليائها، ما يخفف حكماً من العلاقة المطلوبة مع اللغة-الأم.

 

إلا أن الفصحى – مهما تغاضينا عنها، أو انتقدنا أحوالها – تبقى هي الجامعة لملايين من البشر، وهي حافظة الإرث المديد والغني، وهي لغة التكالم (العامي) والكتابة (بالعامية والفصحى) لهم، ولا تقوى اي عامية على مزاحمتها فعلاً، أو على استبدالها.

 

إلّا أن هذه العربية باتت غريبة في بلادها، وتحتاج إلى أكثر من إصلاح: في إملائها، في قواعدها، في علاقاتها التي لها ان تكون خصبة ومتجددة مع العاميات، لكي تكون بالتالي لغة أهلها، ورافعةَ تقدمِهم، وعنوانَ رقي ثقافتِهم.