IMLebanon

“طرطقة”… الحدادة العربية في سوق الخان

 

إقترنت أسماء شوارع وأحياء في مختلف المناطق اللبنانية ومنها مدينة بعلبك، بحِرفٍ ومهن طُبعت في أذهان الناس من سكّان محليين وزائرين، وأصبحت معلماً يُستدلُّ به عند السؤال عن أي مكان، ليبقى علامة مميزة تُغني تراث المدينة. أكثر من مئةٍ وخمسين عاماً عُمر سوق «الخان» في مدينة بعلبك المجاور لقلعتها الأثرية، والمتفرّع لأكثر من جهة حيث يضمّ أبنية قديمة عفّى عليها الزمن، ولا تزال أعمدة حطب اللزّاب تحمل أسقفها، وتفوح من جدرانها رائحة الطين، ولطالما مرّت عليه حضاراتٌ تركت معالم أثرية بجوار القلعة كمسجد الصاغة الذي يعود تاريخ بنائه إلى الدولة الأيوبية، وكان الخان في حينها يُسمّى سوق الصاغة حيث يباع الذهب.

 

تعود تسمية «الخان» إلى الأتراك وهو موضع سكن المسافر أو الفندق الصغير، حيث كان مقصداً لأهالي المناطق من غير مدينة بعلبك في القرن الثامن عشر، الذين يحملون معهم الحطب وبعض المواد ليقايضوها بحبوب ومواد أخرى تلزمهم. ولأنّ الطريق طويلة كانوا يبيتون ليلتهم في المبنى الذي يضمّ غرفاً وعُرف لاحقاً بالخان، وفي أسفله مربط خيول وحيوانات تقلّهم في أسفارهم، أمّا من لديه أقارب في المدينة فكان يبيتُ ليلته عندهم. ورغم التطور الحاصل على مختلف الأصعدة، جمع الخان تداخل الماضي والحاضر، وحافظ أيضاً على بعض المهن التي يعود تاريخها الى مئات السنين، وإن كانت لا تكفي أصحابها قوت يومهم، يصرّ هؤلاء على متابعة مسيرتها من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد، وباتت أشبه بملكية فردية تنفرد بها عائلة أو أشخاص لا يتمنّون أن تقفل أبوابها، وتحلّ محلّها الحداثة ومقتضيات الزمن الحاضر. وأبرز تلك المهن التي لا تزال حاضرة في الخان وسط سوق مدينة بعلبك هي «الحدادة العربية»، حيث حافظت عائلة آل رعد عليها منذ عام 1948 وبقي المحل في ذات المكان مع مرور السنين حتى أصبح الوحيد في البقاع كاله. ويوضح أبو جعفر رعد لـ»نداء الوطن» أنّه تعلّم المهنة من والده منذ صغره ولا يزال محافظاً عليها ويعمل فيها منذ 45 عاماً، يليّن الفولاذ بيديه بعدما تفعل النار فعلها به ويصبح أحمر كالجمر ما يسهل تصنيعه بعد أن يدقّه بمطرقة خاصة، ويصنع ما يطلبه السوق بحسب الشكل الذي يأتي به الزبون، «ومع التطور الحاصل ودخول الآلات الحديثة على الخط تراجع العمل كثيراً، وهو لا يكفيني لبيتي ولكن تعلّمت هذه الصنعة منذ صغري».

 

ولفت الى أنه في السابق «وخلال موسم حصاد القمح كانوا يصنعون 1300 منجل وهي آلة حديدية يستعملها العامل للحصاد، ومع دخول الحصادات الآلية تراجع الطلب كثيراً، وفي اغلب الأوقات يقوم عملنا على التصليح أكثر من التصنيع. كان العمل في السابق يحتاج لأكثر من عامل في المحل، أمّا اليوم فلا يكفي لواحد»، مشيراً الى أنّه «يشتري الفولاذ من محال الخردة ويحوّلها مناجل، معاول، قاطرات للصهاريج، أسافين لتفتيت الصخر، وفراعات لتشقيف الحطب وقد زاد معدّل الطلب عليها هذا العام بعد توجه الناس نحو الحطب للتدفئة».