انحسار تقديم المساعدات المالية والطبية، مؤشر على سياسة الانكفاء العربي والدولي عن دعمه
عُزلة لبنان عن العالم بفعل تفشي فيروس «كورونا» هذه الأيام، ليست كعزلة باقي الدول الأخرى، وإنما هي عُزلة متعددة الجوب والأعباء، كونها تضاف إلى العُزلة القسرية الأخرى مع الدول العربية الشقيقة والصديقة التي يرزح لبنان تحتها منذ سنوات جرّاء سياسات وممارسات «حزب الله» و«التيار العوني» ضد هذه الدول ومحاولاتهما الدؤوبة لحرف لبنان إلى سياسة المحاور وضمه إلى جانب السياسات الداعمة لمخططات إيران الهدامة ضد العرب.
فاللبنانيون تحسسوا مرارة العزلة المفروضة عليهم فرضاً مع الأشقاء العرب والدول الصديقة في العالم، عندما وجدوا أنفسهم وقبيل تفشي وباء «كورونا»، يواجهون بمفردهم أقسى أزمة اقتصادية ومالية تمرّ على بلدهم في حين أضافت مسألة التصدّي لهذا الوباء، عُزلة ومعدات طبية ومساعدات اجتماعية وغيرها أعباء ثقيلة غير محسوبة على الأزمة الاقتصادية والمالية تنذر بتداعيات ومضاعفات خطيرة إذا استمرت المعالجات الحكومية قاصرة ومترددة في اتخاذ الإجراءات السريعة والملائمة لوقف انحدار الأزمة نحو الأسوأ في الأسابيع القليلة المقبلة.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فعند تفاعل أزمة انتشار «كورونا» قبل أسابيع، باشرت الحكومة اللبنانية باجراء سلسلة اتصالات مع سفراء وممثلي العديد من الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية على اختلافها، ودعوتها لتقديم الدعم الممكن على أنواعه للبنان كي يتمكن من مواجهة أعباء مكافحة هذا الوباء الخطير، كون إمكانيات الحكومة محددة جداً للقيام بالمهمات المتزايدة على هذا الصعيد في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان حالياً، وفيما لوحظ ان معظم الدول لم تتجاوب مع مطالب لبنان، اقتصرت مساعدات البعض ومنظمات دولية على تقديمات محدودة ولا توازي ما كانت تقدّمه في أزمات واحداث مماثلة سابقاً.
اللبنانيون تحسسوا مرارة العزلة المفروضة عليهم فرضاً مع الأشقاء العرب والدول الصديقة، عندما وجدوا أنفسهم وقبيل تفشي وباء «كورونا»، يواجهون بمفردهم أقسى أزمة اقتصادية ومالية
وبالمقارنة مع ما كان يحصل مع لبنان لدى تعرضه للاعتداءات الإسرائيلية أو ما مرّ به من حروب أهلية وأزمات على اختلافها في العقود الماضية، كانت الدول الخليجية سباقة لمد يد المساعدة للبنان بعطاءات سخيّة لم تقدمها أية دول أخرى، فيما كانت الدول الصديقة الفاعلة وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من المبادرين باستمرار إلى تلبية مطالب لبنان والتجاوب معه وتقديم ما يمكن من مساعدات لتجاوز الأزمات المالية والاقتصادية ودعم عملية إعادة الاعمار بوسائل متعددة، والدلائل على ذلك لا يمكن تجاهلها، في حين كانت هذه الدول تتجاوب باستمرار مع مطالب الحكومة اللبنانية في تسهيل عقد المؤتمرات الدولية لمساعدة ودعم الاقتصاد اللبناني «باريس واحد» و«باريس 2» و«باريس 3» ومؤتمر «سيدر» أخيراً بالرغم من كل المعوقات المفتعلة من بعض الأطراف السياسية، ومنهم من هو في السلطة حالياً لاعاقة وعرقلة تنفيذ هذه المؤتمرات عمداً، وما حصل في تعطيل مفاعيل «سيدر» مؤخراً اقوى دليل على النوايا السيئة وعدم الرغبة في تنفيذ مفاعيل هذا المؤتمر عمداً بالرغم من كل التداعيات السلبية لهذا التعطيل على الوضع الاقتصادي العام.
ولا شك ان استمرار سياسة الجفاء العربي عموماً والانغلاق الخليجي خصوصاً وعدم مبادرة معظم مسؤولي هذه الدول إلى التواصل التقليدي أو حتى تقديم التهاني المعتادة بتشكيل الحكومة الجديدة كما يحدث عادة، ولو من باب المجاملة على الأقل، فهو ما يقارب عدم الاعتراف بهذه الحكومة التي كان لحزب الله اليد الطولى بتشكيلها وتحديد سياستها بالرغم من كل الادعاءات المغايرة لذلك، وهو مؤشر واضح على استمرار سياسة الاستياء العربي عموماً من أداء وسلوكيات واصطفافات القائمين على السلطة من الرئاسة الأولى وفريقها القريب إلى جانب النظام الإيراني في أكثر من مناسبة وحدث إقليمي مهم والتزامهم الفاضح في الوقوف إلى جانب السياسات الإيرانية في التدخل واستهداف الدول الخليجية أو في الامعان بتغطية تجاوزات «حزب الله» بالتحكم بالواقع السياسي في لبنان أو استمراره بإطلاق التهديدات ضد الدول العربية من خلاله دون حسيب أو رقيب.
إزاء هذه الوقائع، لم يكن مستغرباً استمرار انكفاء الدول الخليجية عن الانفتاح والتواصل مع الحكومة الجديدة والسلطة المتحالفة مع «حزب الله» والاستمرار في سياسة الانغلاق شبه الكامل لتأكيد استيائها وعدم رضاها عن السياسة والأداء المتبع، وأقوى مؤشر على ذلك عدم مبادرتها لمدّ يد المساعدة المعهودة للبنان لكي يتمكن من حلحلة الأزمة المالية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها، أو حتى ما يحتاجه لمواجهة أزمة تفشي فيروس «كورونا» أيضاً، وهذا ما يجعل أعباء ما يواجهه لبنان جرّاء ما يحصل مضاعفاً على الأقل.