IMLebanon

اللغة العربية مهدّدة.. من ينقذها؟

تتحدث لمياء عن موضوع حسّاس أمام طفلتها ابنة الخمس سنوات. تستوقفها صديقتها فتنبهها إلى خطورة التطرّق للموضوع أمام طفلتها. تضحك لمياء وتطمئن صديقتها «طفلتي لا تفهم العربية»!

لا تفهم الطفلة العربية، برغم أنها وُلدت في لبنان وتحمل الجنسية اللبنانية، وبرغم أن والديها يتكلمان معها بالعربية، إلا أن المدرسة الاجنبية التي التحقت بها منذ عامين، ساهمت في جعل الطفلة تنسى لغتها الام وتستبدلها باللغة الانكليزية.

لمياء نموذج للكثيرين من أقرانها الذين ينبذون اللغة العربية ويفضلون اللغة الاجنبية عليها، وسيلة للتواصل اليومي.

تتحدث دانيا، وهي أم لطفلين (14 عاما و9 أعوام)، عن طفليها اللذين يرفضان تعلّم العربية، ما اضطرها للاستعانة بمعلمة دروس خصوصية في المنزل. تقاوم دانيا فكرة ألا يتعلّم طفلاها العربية، معتبرةً أنّ مستقبلهما سيكون في لبنان، فلماذا لا يحافظون على لغتهم الأم؟

يبرّر طفل دانيا الصغير كرهه للغة العربية بـ «أنها لغة مملّة»، فترد الوالدة بالتأكيد على «أهمية دور اساتذة اللغة العربية في المدرسة في حثّ الطلاب على حبّ اللغة، من خلال اعتماد طريقة تربوية سليمة».

يذكر أستاذ الانسانيات الاجتماعية في الجامعة اللبنانية د. نادر سراج قولا لمؤسس أول «ليسيه» في لبنان في عام 1909، «نكون مدرسة مرموقة، إذا عرفنا أن نكون مدرسة عربية مرموقة».

يتطرق سراج الى»هاجس تزاوج الثقافتين العربية والفرنسية في مؤسسة تعليمية رائدة كانت وراء اهتمام الفرنسيين والغربيين الذين جاؤوا إلى هذه البلاد»، ليشدّد على ضرورة «ألا نفاضل بين الثقافة الفرنسية وما بين ثقافة أهل البلد الاصلية أي اللغة الأم».

يرى سراج أن «المؤسسات العلمية العربية لا تواكب نفس سرعة دخول المفردات الجديدة الى معجم اللغة العربية، وهناك غزو مفردات من خلال الالتماس الحاصل من كل المجتمعات». برأيه، «الشباب الذين يجدون الهوة بين احتياجاتهم المتسارعة وما بين القدرة المعجمية الكلاسيكية العربية، يضطرون للتدخل لكي يستولدوا مئات التعابير، فنجد أنفسنا أمام مصطلحات أجنبية تُصاغ على الطريقة العربية». يعزو سراج السبب في ذلك الى «أولياء الامر من أساتذة وباحثين وخبراء وتربويين يعملون في المعاجم العربية، كذلك يرى أن «مستخدمي اللغة يومياً يحتاجون الى حصيلة لغوية أو زاد لغوي، بهدف تسليك أمورهم، لان لغتهم تكاد تكون تقنية على المستوى الجامعي».

«لم تعد اللغة شأناً تربوياً بل هماً يوميا»، يقول سراج، متوقفاً عند «الهوة بين اللغة الأصلية والتوق الى دخول العالم الجديد، فكل فرد عربي يريد أن يستولد مفرداته الخاصة».

ومن أبرز المشاكل التي تساهم في إهمال اللغة العربية برأي سراج «التفاضلية اللغوية التي تكون لمصلحة اللغة الأجنبية». يعطي مثال الاسرة الصغيرة التي تفضّل أن يتحدث أطفالها اللغة الأجنبية لاعتقادها أنهم سيتعلمون العربية «حين يكبرون»، فيما يؤكد سراج أن «للطفل عمرا معيّنا لتقبل اللغة، ولا يجب أن نعلّمه أنّ انتماءه للثقافة الغربية هو نوع من الارتقاء الاجتماعي، وعليه أن ينشأ في بيئته الحاضنة».

وتكمن المشكلة برأي سراج، حين «نصل الى المدرسة ونواجه مشكلة في العملية التربوية التعليمية من خلال القراءة والكتابة والمطالعة»، معرباً عن خشيته «من تحول اللغة العربية الى لغة امتحانات فقط». ولا ينكر سراج من أن «تكون المشكلة في بعض المناهج العربية، أو عند بعض أساتذة هذه اللغة»، مؤكداً أن هناك مدارس أجنبية بدأت تضيف ساعات اللغة العربية، فيما أخرى تقوم بخفض عددها.

ساهم سراج ومعه 12 باحثاً، منذ عامين في دراسة ظاهرة جديدة اسمها «العربيزية»، حين بدأ الشباب استعمال الاحرف والارقام اللاتينية للتواصل اليومي. يوضح سراج أن الظاهرة «بدأت دلعا لتتحوّل ولعا، لكنها ليست مزاجية، ولها علاقة بظهور آلات ووسائل تخابر جديدة تساعد باختصار الكلمات».

ويتساءل سراج «لماذا كتابة الافكار العربية بالمحكية اللبنانية وبحروف وأرقام لاتينية»؟، مستنتجاً وجود «فوبيا» عند الناس من ارتكاب الاخطاء في اللغة العربية». لذلك، يخشى سراج من «أن تتحول اللغة العربية كذلك الى أداة تخاطب عند الجيل الجديد مع أشخاص يُفترض أنهم لا يتحدثون إلا اللغة العربية، ويعني بهم النواطير والعاملين في ركن السيارات وغيرهم».