بعيداً عن خطابات التطمين والتهدئة، لا بد من تأكيد أن السلم الأهلي بخطر وأن البلد يعيش (ولو افتراضياً حتى الآن) مرحلة التمهيد لحالة أمنية تتوج الالتهاب السياسي الحاد الذي ساد المرحلة الماضية.
الوضع هنا لا يحتمل تجهيل الفاعل الأساسي، فالتوتر بدأ مع عودة سعد الحريري إلى البلاد. وطبعاً نحن لسنا ضد عودة أي «مغترب» إلى الوطن، ولكن لا بد من الملاحظة، بأنه مع عودة الحريري، بدأت مرحلة من التعبئة المذهبية الحادة، ترافقت مع فورة كبيرة في الإيمان الذي دفعه للصلاة في أكثر من يوم جمعة في أكثر من مسجد وأكثر من منطقة، وكذلك في إطلاق صفارة الاستعداد والتأهب للتصدي وضمناً «الانتقام».
هذا التوتر، تعاظم مع قرار «ملكية» آل سعود، بالتراجع عن هِبَة «افتراضية» كانت قد أعلنت عن منحها للجيش اللبناني وذلك احتجاجاً على موقف، سبق القرار بأكثر من 40 يوما!
والأهم أن التوتر، ترافق مع بداية تطبيق الهدنة في سوريا، بما يؤشر إلى تطور الجهود الدولية، بما تحمله أيضاً هذه الجهود من مخاطر واحتمالات على الوضع السوري ومستقبل سوريا.
وبغض النظر عن الهدنة، من الواضح انعدام الرضا السعودي ــ التركي ــ الإسرائيلي عنها وخصوصا عن ميزان القوى بصيغته الأخيرة، وكل واحد من هذا الحلف الثلاثي لديه ما يدفعه للضغط على هذا الاتفاق الدولي ومحاولة إجهاضه.
سبق هذا التوتر أيضا قرار جريء للجيش اللبناني، بإقدامه على الدفاع عن لبنان بوجه الإرهاب الجاثم على حدوده والمنتظر الإشارة التركية ــ السعودية للتحرك، للضغط في لبنان على الوضع السوري والوضع اللبناني في آن واحد.
نعم، تجرأ الجيش اللبناني ونفذ عمليتَين ناجحتَين ضد الإرهاب داخل عرسال وفي استمرار قصفه لتحركات المسلحين في جرودها.
نعم، كفر الجيش ولم يفهم رسالة أحد الوزراء «القبضايات»، بأن عرسال محتلة، ولكن حذار التدخل فيها من الخارج (الجيش هو «الخارج» على الأرجح).
وآخر الإشارات باخرة السلاح، التي يبدو أنها أول الغيث ولن نستعجل بإطلاق الاتهامات، ولكن المصدر يؤشر إلى الجهة.
ولا ننسى التهديدات التي طالت اللبنانيين، ليس من السعودية ودول الخليج فقط، بل بتصريحات مسؤولين لبنانيين، تعودوا الذل والمهانة والاستجداء، فهددوا اللبنانيين من على أبواب السفارة، بمصير أولادهم العاملين في الخليج.
لم تعد قضية التعامل مع الدور الصهيوني من المحرمات، عند عروبيي الزمن الأسود. فجاء الإعلان عن الاجتماعات السرية بين المسؤولين السعوديين والكيان الصهيوني، والتحذير الذي أطلقه أحد الوزراء «العروبيين» من أن هذا الوضع وسلاح «حزب الله»، قد يدفعان للتعامل مع الشيطان.
إن هذا التكامل السعودي ــ الإسرائيلي ليس جديداً، ومعاناة اللبنانيين منه قديمة، يكفي أن نستعيد موقف آل سعود وحلفائهم العرب، في شرم الشيخ، عندما غطوا عدوان تموز على لبنان؛ ولا المواقف لدى بعض الطبالين اللبنانيين مستغربة أيضاً، وهم الذين «طبّلوا» لهذا الموقف خلال عدوان تموز 2006.
هنا لا بد من الإشارة، بأن الشحن المذهبي، يفقد مفعوله إذا كان من طرف واحد. والمؤسف أن هذه الأجواء، لاقتها أجواء مماثلة وإن اختلفت في الموقع، لكنها توافقت مع الأولى في الشعارات المستعملة. وبغض النظر عن كون التحرك، والتظاهرات التي جرت رداً على الفيلم الخبيث والسيئ الذي بثته MBC، عفوية أو منظمة، فإنها وقعت في الفخ المذهبي نفسه، وكما تهدد السعودية بمعاقبة كل اللبنانيين على خطأ مفترض من وزير لبناني، فإن المتظاهرين بشعاراتهم المذهبية وممارساتهم، عاقبوا اللبنانيين على التصرف المشين لوسائل الإعلام السعودية، فبدا الطرفان وكأنهما يعاقبان الشعب اللبناني على أخطائهما وتناقضهما.
في المحصلة، تكمن بذور الفتنة في امتداد عمل الإرهاب من الحدود اللبنانية وسوريا إلى الداخل اللبناني، مستفيداً من التعبئة المذهبية ومن النظام المهترئ.
ما هو مطلوب، هو مواجهة هذا الإرهاب في المكانَين. المواجهة كي تصبح فاعلة، لا يجب أن تكون تحت غطاء مذهبي مقابل، لأن أي غطاء مذهبي لهذه المواجهة، يحولها من مواجهة الإرهاب ومن خلفه، إلى مواجهات مذهبية تخدم المشروع الأميركي ــ الصهيوني وتعطي مسوغاً لوجود الإرهاب وبنية حاضنة له.
المواجهة تبدأ باحتضان الجيش اللبناني والحفاظ على دوره في الدفاع عن لبنان ووحدته في وجه الإرهاب وإسرائيل، وهذا الدعم يتخطى الدعم المعنوي، ليطال الضغط على الحكومة لأخذ إجراءات سياسية ومالية تدعم الجيش ولا تجعله عرضة للابتزاز من قبل السعودية أو سواها.
والمطلوب ثانياً من القوى الديموقراطية، أن تستعيد الشعارات والقضايا التي تهم الشعب اللبناني وتستطيع توحيده حولها بدءاً من الدفاع عن حق المواطنين في انتخابات بلدياتهم وتعزيز دورها، وربما تكون البلديات أولى الضحايا التي يسعى المتآمرون على البلد لتقديمها، وصولاً لاستعادة الحراك الشعبي المترافق مع النضال من أجل استعادة دور البلديات في المجال التنموي وبشكل أساس اليوم في حل مشكلة النفايات، وفي الدعوة لمحاسبة المسؤولين عن نهب أموالهم وسرقتها من «سوكلين» إلى من احتضنها وحماها وشاركها في عملية النهب.
الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني