IMLebanon

العرب ومواقف أميركا الخاطئة

انتهت قمة كامب ديفيد، التي جمعت الرئيس أوباما بعدد من قادة دول الخليج العربي، بوعود وتطمينات حول الاتفاق الذي اقترب في شأن برنامج إيران النووي، من دون التزام رسمي مكتوب ينص على منع إيران من المضيّ في سياستها الطائفية التوسعية، وتدخلها التخريبي المباشر في العراق وسورية ولبنان واليمن. ويبدو أن إدارة الرئيس أوباما اقتنعت بدعاوى إيران أنها تريد حقاً حلا ً لمعضلة برنامجها النووي، وأنها جادة في الإسهام في الحرب على الإرهاب.

وتناست هذه الإدارة، أو تجاهلت، أن إيران دولة داعمة للإرهاب في العراق وسورية واليمن ومشاركة فيه، وأن برنامجها النووي ليس للأغراض السلمية فقط، بل يهدف إلى أبعد من ذلك. ولعل أكبر الأسباب وراء هذا الموقف الأميركي الخاطئ، هو الضغوط القوية التي تمارسها إسرائيل ومناصروها على مؤسسات الحكم في أميركا وخوفهم من إمكان سقوط نظام الأسد الطائفي إذا ضعف دور إيران، وبالتالي سقوط كل حلفاء إيران في المنطقة، مما يجعل إسرائيل في مواجهة مع قوى سنّية ترى إسرائيل أنها أخطر على أمنها ووجودها.

وموازاة ً مع هذا الموقف الخاطئ، تقف أميركا أيضاً، موقفاً خاطئاً آخر، بالنسبة لما يجري في اليمن، حيث يستمر الحوثيون وأتباع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في خرق الهدنة في جبهات كثيرة، وحيث تعلن إيران تحديها السافر للقانون الدولي بمحاولاتها خرق الحظر الجوي والبحري لمدّ عملائها بالسلاح تحت دعاوى المعونات الإنسانية. بل إن أميركا تضغط بكل قوة من وراء الحجب على الدول المشاركة في التحالف لمنعها من مواصلة عاصفة الحزم وحسم الوضع وإعادة الحكم الشرعي إلى اليمن، واليمن إلى الحكم الشرعي.

يحدث هذا في الوقت الذي تدّعي أميركا مواصلة حربها على الإرهاب في العراق وسورية، بينما تهمل إرهاب الميليشيات الطائفية من جنس عصائب أهل الحق، ولواء أبي الفضل العباس، وفيلق القدس، و»حزب الله» التي تعيث في الأرض فساداً، وترتكب أبشع الجرائم ضد المواطنين السنّة في هذين البلدين المنكوبين بنظامين طائفيين تابعين لإيران. أمّا موقف الإدارة الأميركية من القضية الفلسطينية، رغم كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، والتي لا تزال ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، فهو موقف الخداع والتسويف والانصياع للإرادة الصهيونية. ولقد تبين أن هناك رابطاً قوياً يجمع مواقف أميركا من قضايا المنطقة، أساسه حماية إسرائيل وتقديم مصالحها على مصالح الشعب الأميركي والشعوب العربية والإسلامية، حتى لو كان ذلك عبر اتفاق مع إيران.

إن السياسة المتذبذبة المجحفة التي تتبعها الإدارة الأميركية لا تستجيب لطموحات الشعوب، ولا تلبي احتياجاتها، ولا تحمي القانون الدولي من الانتهاك، ولكنها تخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتضع هذه المصالح فوق كل اعتبار. فهي تسير في الاتجاه الذي يحقق تلك المصالح، بغض النظر عن الأضرار التي تلحقها بالدول المتحالفة معها وبالشعوب التي تتطلع إلى التعاون والشراكة وتحلم أن تكون حرة في بلدانها تعيش في كرامة وعزة. وهذه سياسة متناقضة مع المبادئ القانونية والدستورية التي قامت عليها الولايات المتحدة الأميركية، فضلا ً عن أنها متعارضة مع ميثاق الأمم المتحدة، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن الأزمات المتوالية التي عرفتها المنطقة العربية، بدءاً من قيام دولة إسرائيل، ومروراً بالحروب التي اندلعت في الإقليم، وبالأزمتين العراقية والسورية، وانتهاء بالأزمة اليمنية، هي من النتائج المترتبة على التخاذل والتذبدب في السياسة الأميركية. فلو أن الإدارة الأميركية اتخذت المواقف السليمة والمسؤولة التي تمليها عليها التزاماتها الدولية، باعتبار أنها قوة عظمى، ولو أنها كانت وفية للمبادئ المؤسسة لها، لما وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه في كل من العراق وسورية واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين وأفغانستان والصومال.

فالولايات المتحدة الأميركية تتحمل المسؤولية، إلى جانب القوى العظمى الأخرى، إزاء تفاقم الأزمات الإقليمية والدولية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين. وهي مسؤولية أخلاقية في المقام الأول، ومسؤولية سياسية تلزمها بأن تقف المواقف الحازمة والحاسمة من الظلم والعدوان والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان. ولا شك أن استمرار السياسة الأميركية في هذا الاتجاه، سيكلفها كثيراً، وستكون له عواقب وخيمة تهدد السلام العالمي.

لقد كثرت وعود الإدارة الأميركية وتطميناتها لدول الخليج العربي وللعرب كافة، حول علاقاتها الملتبسة بإيران وسكوتها عن أخطائها وخطاياها، وكثرت تصريحاتها في شأن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني. لكن ما تخطط له هذه الإدارة من وراء الستار، وما تفعله على الأرض، هو شيء مختلف تماماً، بل ومضرٌّ بمصالح العرب والمسلمين، وكل ذلك يدل على فقدان الصدقية في ما تقول وما تفعل.

ولذلك فإن الاعتماد على وعود الإدارة الأميركية وتطميناتها في شأن برنامج إيران النووي وسياساتها الطائفية التوسعية، والوثوق بتبريراتها لمواقفها تجاه الأوضاع في سورية والعراق ولبنان واليمن، وتصريحاتها المسوّفة في شأن القضية الفلسطينية، كل ذلك سيؤدي إلى تمكين إيران من التغلغل في المنطقة وفرض إرادتها على دولها العربية، ويحقق ما تهدف إليه «الفوضى الخلاقة» من تفتيت لهذه الدول، ووضعها بين فكي كماشة صفوية صهيونية تطمع في ثرواتها وترهن إرادتها وتتحكم في مستقبل أجيالها.

وحيث إن الوضع بكل أبعاده، هو في غير صالح الدول العربية والعالم الإسلامي برمّته، فإن من الضروري العودة إلى الحزم بحزم أشدّ، من دون استشارة أميركا أو أخذ إذن منها، كما يريد البيان الختامي لقمة كامب ديفيد، فلا مشورة ولا إذن مع أي كان في ما يخص سيادة الدول العربية وسلامة كياناتها، والعمل على حشد كل القوى العربية والإسلامية لمواجهة الأخطار الماثلة للعيان التي تهدد العرب والمسلمين جميعاً، وتنذر بأوخم العواقب. وقديماً قالت العرب: «ما حكّ جلدك مثل ظفرك فتولٌ أنت جميع أمرك».