Site icon IMLebanon

العرب وإيران في الصفقة الروسية الأميركية

 

تفنن الاعلام العالمي طيلة الأسبوع الماضي بعرض صور الحسناوات الايرانيات واقفات أمام مكاتب الاقتراع. تزامنت تلك الصور التي سبقت تسونامي فوز الإصلاحيين والمعتدلين في الانتخابات الايرانية، مع تقرير لوكالة الطاقة الذرية الأميركية يقول ان إيران احترمت التزاماتها ولم تخصّب اليورانيوم. تزامنت أيضا مع مداخلة سياسية انفتاحية قدمها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في الاتحاد الأوروبي وقوبل بترحيب أوروبي كبير. لكن نجم الدبلوماسية الإيرانية في الاعلام الغربي منذ الاتفاق النووي، شن هجوما لاذعا على السعودية مهدّدا بأنه «إذا تعنتت فستخسر المعركة في النهاية».

في الأسبوع نفسه الذي جرت فيه كل هذه الوقائع الإيرانية، كان البرلمان الأوروبي يصوت على قرار يمنع تصدير الأسلحة الى السعودية بسبب اليمن. ما تحفّظ حوله البرلمان الأوروبي، فصّلته منظمة العفو الدولية حيث وصلت باتهاماتها للسعودية الى حد جرائم الحرب، وفصّله نواب الخضر. من هؤلاء مثلا النائبة الفرنسية القاضية ايفا جولي. هذه المرأة الحديدية التي دكت عروش السياسيين الفرنسيين حين شهرت بوجه الفساد حملة شرسة محمية بالإعلام، هي نفسها التي مع زملائها يشنون حاليا حملة ضد العرش السعودي. تقول انه ما عاد مقبولا ان «تبقى السعودية متفلتة من العقاب». كذلك الامر عند بريطانيا وأميركا الحليفين التقليديين للسعودية، انتشرت مقالات كثيرة ضد المملكة او ممهدة لاحتمالات تغيير في العرش السعودي.

هل أوروبا ضد السعودية؟

ليس تماما، ولكن في المعلومات ان القرار الأوروبي المتعلق أصلا باليمن وبضرورة مراعاة المعايير الأوروبية بشأن تصدير السلاح الى السعودية بغية منع خرق حقوق الانسان او القانون الدولي، شهد خلافات بين كتلة حزب الشعب الأوروبي ذات الثقل الأكبر في البرلمان والكتلة الاشتراكية (ينتمي اليها الرئيس فرانسوا هولاند الذي باع للسعودية صفقات سلاح ما لم تعرفه بلاده في تاريخها).

أراد نواب حزب الشعب تخفيف اللهجة حيال السعودية بينما أصر الاشتراكيون وحلفاؤهم على تصعيدها. القرار طبعا غير ملزم لكنه يؤكد على ثلاثة امور: أولها ان التيار الأوروبي الذي يتهم الرياض بتمويل الإرهاب والتكفير يتنامى، وهو يدعو الى وقف التمويل الخليجي للمساجد الأوروبية، والثاني ان أوروبا منزعجة فعلا من ندرة المساعدات الخليجية للنازحين السوريين الى أوروبا وغيرها، وثالثها ان حرب اليمن بدأت تقترب من المحرمات الدولية وما عاد السكوت عنها ممكنا.

قد لا يذهب الأوروبيون بعيدا في قرارهم، ذلك ان مصانعهم العسكرية تتأثر، خصوصا إذا ما علمنا ان نسبة استيراد الرياض للأسلحة العالمية في السنوات الخمس الماضية ارتفعت الى 279 بالمئة وفق معهد ستوكهولم للسلام، ثم ان بعض أوروبا لا يريد ان يكون طرفا في الصراع الإيراني السعودي.

المهم في الأمر ان اللوبي الضاغط على السعودية يزداد عالميا ومعه قطاعات واسعة من الرأي العام والاعلام، وان اللوبي المؤيد للانفتاح على إيران يتضاعف مرات عديدة.

ما علاقة هذه المقدمة بالصفقة الأميركية الروسية؟

الواقع ان ما حصل بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين أقل من صفقة وأكبر من اتفاق. لا تزال ملفات دولية كثيرة عالقة بين البلدين. لكن الوطن العربي وإيران وتركيا يعيشون حاليا على وقع هذا التقارب الروسي الاميركي الذي لم، وربما لن، تعرف كل تفاصيله وخفاياه وبنوده.

فبين الظاهر والمخفي ماذا يحمل الاتفاق الأميركي الروسي؟

ـ تكثيف الحرب ضد داعش والنصرة وأطراف أخرى تعتبرها روسيا إرهابية.

ـ تعويم وتشريع الدولة السورية الحالية في سياق ضرب الإرهاب، ووقف إطلاق النار والمصالحات وايصال المساعدة الإنسانية ومنع المعارضة المسلحة من خرق المناطق التي تسيطر عليها الدولة… مقابل منع الجيش من اختراق مناطق تسيطر عليها فصائل يعتبرها الغرب غير إرهابية. (أي اتفاق على خطوط تماس أمنية حتى الآن لكن لا شيء يمنع تحولها الى.. خطوط تماس سياسية لو تعقدت الامور).

ـ اشراك الدولة السورية الحالية بالاتصالات العسكرية (بما فيها الأميركية) ومد جسور بينها وبين المجموعات المسلحة غير الموسومة بالإرهاب بغية دمجها لاحقا في الجيش السوري او في تشكيلات أمنية أخرى.

ـ العودة الى المفاوضات، ثم الاتفاق على تشكيل حكومة موسعة، تضم أطرافا معارضة، والاعداد للانتخابات المقبلة. وترحيل مسألة الرئيس الأسد الى فترة لاحقة على أمل ان يقرر السوريون أنفسهم ماذا يريدون.

ـ تكثيف وتنويع الاتصالات الروسية مع دول الخليج (قمة مع امير قطر، واتصالات هاتفية مع ملك السعودية) وإسرائيل، بغية طمأنتها على مستقبل الحل السياسي والأمني في سوريا. وفي هذا السياق استقبلت موسكو في أسبوع واحد وفدا وزاريا عربيا ونوابا سعوديين ووفدا عسكريا إسرائيليا.

ـ منع الكرد من إقامة دولة مستقلة بغية طمأنة تركيا وتحييدها …. ثم اشراكها هي والسعودية وغيرهما لاحقا في حرب حقيقية ضد الإرهاب. (لم يكن تصريح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن قلق من تنسيق بين الكرد وروسيا والنظام السوري عابرا).

يجب الانتباه هنا الى خلاف حقيقي بين تيارين أميركيين حيال تركيا، ظهر الأول من خلال مشروع قرار تقدمت به اللجنة القانونية في مجلس النواب الأميركي يوم الأربعاء الماضي يعتبر الاخوان المسلمين منظمة إرهابية، والثاني يريد دعم تركيا وهو فاعل في وزارة الدفاع التي أقرت صفقة قنابل خارقة للتحصينات الى انقرة.

ـ موافقة موسكو على تحرك أطلسي محتمل ضد الإرهاب الليبي. فحسب وول ستريت دجورنال بدأ البنتاغون بارسل قوات الى ليبيا، وإيطاليا فتحت اجواءها.

لو تم تنفيذ الاتفاق على نحوه الراهن، يعني ان محور روسيا – إيران – سوريا – حزب الله، خرج رابحا من الحرب السورية (إذا ما نظرنا الى المسألة من ناحية استراتيجية وليس إنسانية في بلد تم تدمير البشر والحجر والتاريخ والحضارة فيه). ولكن…

ولكن ما هو الثمن الذي سيقبضه الآخرون؟

في مثل هذه الاتفاقات، وفي ظل التوازنات الدولية، من المستحيل ترك المحور المواجه للغرب وإسرائيل يربح في جبهة مفصلية مثل سوريا، من دون ثمن في مكان آخر. الا إذا كان أحد المحورين انتصر عسكريا وحسم المعركة. وهذا لم يحصل.

قد يعتبر أوباما ان انتخابات إيران عززت رأيه القائل بان كل انفتاح عليها يعني تخفيف قبضة المتشددين. (حتى ولو ان المحافظين يعتبرون ان ما حصل يعزز الجمهورية الإسلامية وانه اصلاح من داخلها وليس ضدها، ويقولون ان الانتخابات قدمت صورة زاهية للديمقراطية الإيرانية في محيط غير ديمقراطي).

ليس عابرا قول الرئيس حسن روحاني، وهو أحد أبرز الرابحين في الانتخابات مع الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، «حان الوقت لفتح صفحة جديدة في التنمية الاقتصادية بإيران استناداً إلى القدرات المحلية والفرص الدولية».

وفي العراق، يلاحظ استمرار اضعاف الحشد الشعبي والتأسيس للحرس الوطني، وتغيير الحكومة بغية إرضاء السنة والسعودية ودول الخليج وربما أيضا لقطع خط الوصل المباشر من طهران الى دمشق وبيروت عبر العراق. كذلك تتكثف الاتصالات البعيدة عن الأضواء لإعادة اليمنيين الى طاولة التفاوض، (الاتحاد الأوروبي دعا الى عودة فورية).

تقاسم نفوذ؟

توحي تسريبات التفاهم الأميركي الروسي بأننا أمام احتمالين، فاما ان أوباما يريد انهاء عهده بما كسب من إيران وكوبا، وبأقل خسائر ممكنة في الجبهات الأخرى، أو أن موسكو وواشنطن بدأتا التأسيس فعلا لتقاسم نفوذ في منطقتنا العربية.

في الحالة الأولى، يعني، ان الأمور مجمدة فقط، أما إذا كان في الامر تقاسم نفوذ، فهذا يعني قبولا أميركيا بنفوذ روسي حقيقي في سوريا خصوصا ان بوتين قريب أيضا من إسرائيل (أخرج السلاح الكيماوي من سوريا، ولا يعترض على ضرب المقاومة ووضع نتنياهو في صورة تدخله في سوريا، ويؤخّر تسليم إيران صواريخ متطورة، وربما يأمل بلعب دور تفاوضي لاحقا بين سوريا وإسرائيل لو استقرت الأوضاع). معروف ان لروسيا أكثر من مليون يهودي في إسرائيل، ولغتها هي الثالثة بعد العبرية والعربية هناك، وهي أهم مصدر للنفط الى إسرائيل وتستعد معها لاقامة منطقة حرة للتكنولوجيا العالية والزراعة (بعد عشرات الاتفاقيات الأخرى). وقد اختصر وزير الحرب الإسرائيلي موشي يعلون العلاقة مع روسيا فوق سوريا بالقول: «لا نزعجهم ولا يزعجوننا».

هل الصورة إيجابية فعلا؟

لا تنبغي المغالاة، فلا تزال الأطراف المتضررة تسعى بكل ما تستطيع للعرقلة (ما يحصل في لبنان جزء من الصراع السعودي الإيراني وقد يتفاقم ولذلك اوفدت فرنسا مسؤولا كبيرا الى الرياض، وتكثفت اتصالات عربية ودولية). ثم ان وزير الخارجية الأميركي جون كيري المح الى احتمال تقسيم سوريا وقال انه «ربما يفوت الأوان لإبقاء سوريا موحدة إذا انتظرنا فترة أطول». وقبله كان سلفه هنري كيسنجر قد أشار صراحة الى خطط التقسيم، ومن قلب مؤتمر الامن في ميونيخ قال وزير الحرب الإسرائيلي «يجب أن ندرك أننا سنشهد قيام جيوب في سوريا هي: علويستان وكردستان ودرزستان السورية»، وسبقه وزير خارجية بريطانيا باتهام روسيا بمحاولة اقتطاع دويلة علوية.

ماذا يعني كل هذا؟

يعني ان أوباما يسلم الكثير من مفاتيح الحل السوري لبوتين، لكنه يترك سوريا مفخخة جدا، ولعل لبنان هو جزء من هذا التفخيخ. لذلك من المرجح ان يلجأ بوتين وشركاؤه السوريون الى تسريع خطى المعركة التي قد تتخطى حلب وادلب صوب الرقة مستفيدا من فترة السماح الأميركي. هذا بالضبط ما يغضب السعودية وتركيا حاليا، ويترك أكثر من ساحة قابلة للمفاجآت. فلو نجحت معركة الشمال باستعادة حلب وريفها، فهذا يعني تحولاً مفصلياً في الحرب السورية لصالح روسيا وحلفائها. ولا تعود ثمة حاجة لاي اتفاق الا بشروط الأسد وحلفائه.