IMLebanon

العرب ولبنان

ضَمُرت كثيراً مساحة الرحابة التي «تمتع» بها لبنان الرسمي في المدار العربي.. وغُرّ من يفترض العكس. أو يذهب الى البقاء مقيماً في زمن مضى. وعند «آراء» بادت وطُمرت تحت تلال المواقف التي أطلقها أتباع إيران في نواحينا، وفي ظل أداء معادٍ من قبلهم لا يمر يوم من دون أن تتكشّف وقائعه وحقائقه من اليمن الى البحرين الى غيرهما.

كان الانقسام اللبناني المديد في سنوات الحرب بمعناه السلبي والمدمّر، هو ذاته المنتج لعامل إيجابي أكيد عند المؤسسة العربية وأقطابها وخصوصاً لجهة عدم اعتبار الدولة المركزية جزءاً من ذلك الانقسام وظواهره. وعدم أخذ اللبنانيين بالجملة بجريرة أداء جزء منهم! أو تحميلهم أوزار تهتك سلطتهم الجامعة ووصولها في الإجمال الى درجة الإنحلال..

وكان ذلك مشفوعاً بحقيقة أن «الدولة» التي لم تسقط شرعيتها ولا مرّة، ظلت حاضرة في كل المحافل والمؤسسات والمنظمات «الشرعية»، عربياً ودولياً، ولم يتأثر ذلك الحضور بغيابه الفعلي في الداخل اللبناني نتيجة الحرب أو الحروب المتنوعة والكثيرة والمتكررة، مثلما لم يتأثر موقفها الرسمي بمواقف أهل تلك الحروب ولا بانتماءاتهم السياسية وارتباطاتهم الخارجية.

وعدا عن ذلك، كانت الرحابة العربية، أو التفهم العربي العام مشفوعاً بحقيقة موازية هي عدم خروج مواقف ونصوص المتحاربين أكانوا لبنانيين أم فلسطينيين (في المراحل الأولى للمحنة!) ولا أداءهم، عن سياقات غير مؤذية أو خطيرة إزاء معظم الدول العربية.

واقع الحال الذي لا يزال طرياً في الذاكرة العمومية اللبنانية والعربية، هو أنّ ثلاث دول عربية هي سوريا والعراق وليبيا، كانت خارج ذلك السياق التوصيفي. أي أنها انخرطت في الحروب اللبنانية، بكل معانيها وتلقت في المقابل تبعات ذلك بالمواقف الإعلامية النارية وبما هو أكثر وخصوصاً إزاء ليبيا البعيدة وسوريا القريبة.. وبرغم ذلك فإن الإجماع العربي بقي قائماً إزاء لبنان في الإجمال، والقرارات المتعلقة به، المشتملة دائماً على إبداء الحرص على وحدته وأمنه واستقراره وسيادته.. ودعوة اللبنانيين عموماً الى اجتراح التوافق حرصاً عليهم وعلى بلدهم.

تغيّرت السيرة برمّتها مع «نزول» إيران على المشهد اللبناني. ووصلت الى ذروتها مع بدء حلفائها المحليين بالتزام سياساتها التزاماً تاماً بما يعنيه ذلك. من خوض معاركها الكثيرة والخطيرة، سياسياً وإعلامياً وأمنياً! بل والذهاب أبعد منها في التعبير عن ذلك! تماماً مثلما فعل «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصرالله في «مناسبة» حرب اليمن والأوضاع في البحرين، أو في العراق أو في سوريا، وفي المواقف (غير المسبوقة) التي أطلقها إزاء المملكة العربية السعودية وشقيقاتها في الخليج العربي وخصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة.

مع ذلك، وعلى الرغم منه، فإنّ تلك الدول المُفترى عليها والمُعتدى على قيمها وأمنها واستقرارها، بقيت (ولا تزال) تتعامل مع أمر اللبنانيين بواقعية شديدة تبعاً لواقع إنقسامهم وعدم مجاراة الغالبية منهم لإيران و«حزب الله» في المواقف المعيبة وفي الأداء التخريبي الموجّه صوبها وصوب سلطاتها واستقرارها واجتماعها الأهلي.. لكن هذا لم يعد متلائماً مع الصورة العامة السابقة، بل ترافق العكس في تدرّجه، مع نمو «حضور» «حزب الله» وارتباطاته الإيرانية «داخل» الدولة اللبنانية! ولأنّ الفصل بين المعطيين صعب (محلياً) فإنّ الفصل بينهما صعب عربياً ودولياً بدوره!

ضاقت مساحة الفصل في كل المنطقة وليس في لبنان فقط… وحدّة الاستنفار بلغت ذروتها. ولا يمكن التغاضي أو التغافل عن، أو التقليل من حدّة «الهجوم» الإيراني وتهديده المصيري لأمن دول الخليج العربي واستقرارها. كما للأمن القومي العربي في الإجمال. ومن الطبيعي تبعاً لذلك، أن «تؤخذ» الدولة اللبنانية (المستجدّة) كما هي من دون رتوش ورحابة.. وتفهّم! من دون أن يعني ذلك ترك هذه الدولة ومعها عموم اللبنانيين حطباً في موقد المشروع الإيراني!

توليفة دقيقة وصعبة، لكنّها لم تأتِ لأنّ العرب تغيّروا، بل لأننا نحن في لبنان تغيّرنا! ولا يغيّر في ذلك موقف تضامني راهن!