كدنا نصفق لرؤية أعلام الدول العربية متراصفة في اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر “جامعة” لم تعد تحمل من اسمها سوى الشكل المجوف من كل مضمون حقيقي. جامعة الدول العربية، التي تتهيأ لعقد قمتها في أواخر هذا الشهر، ماذا تراها فاعلة بأسوأ الكوابيس التي حطمت مفهوم العروبة وسحقت الهوية القومية لدولها ولكل مفهوم العروبة المتنوعة الحضارات أمام الحرب المذهبية التي لم تبق من العرب سوى سنّة وشيعة وتجفيف دنيا العرب والشرق من المسيحيين والأقليات؟
لعل الأسوأ من هذا الواقع العربي انه يتساوى تماماً مع الخزي الدولي في مسألة التعامل مع جرائم الإبادة ضد الأقليات والمسيحيين بدليل ان مجلس الامن الدولي يتهيأ بنفسه لعقد جلسة مخصصة للنظر في هذه الفظاعات في أواخر الشهر الحالي بعد خراب لم يعد قابلا للترميم او الاستدراك. وإذا كان بعضنا سيسكر على زبيبة استدراك عربي واستلحاق دولي لأن المقتول لا يملك ما يخسره، فإن ذلك لا ولن يخفف وطأة سقوط دولي – عربي عارم ومتدحرج أمام اندفاع هستيري إجرامي لتفريغ الشرق من مسيحييه وأقلياته على أيدي “داعش” وامثاله ومشتقاته.
تتسع في الأشهر الاخيرة في الإعلام الفضائي العربي وبعض صحافته في بعض البلدان موجة التنبيهات والتحذيرات والمخاوف من تفريغ الشرق من المسيحيين والأقليات في ما يعتبر صحوة ثقافية وفكرية جيدة ولو جاءت متأخرة. ولكنها موجة لا تزال أعجز من ان تخترق سدوداً عاصية على أي زحزحة ما دام مفهوم حماية الأقليات وخطر اندثارها في الشرق “استلزم” كل هذه السنوات مع تفريغ معظم العراق وسوريا وتهديد مسيحيي مصر ولبنان لكي يبدأ طلوع أصوات التحذيرات العربية من جرائم الإبادة.
وإذا كان من نافل القول إن أي رهان على تحرك عربي جامع ضد الفظاعات المرتكبة في حق المسيحيين والأقليات وسط تصاعد الحرب المذهبية الرهيبة هو رهان محكوم بالفشل، فان ذلك على واقعيته لا يبرر “لازمة” تبدو كمبرر خشبي تتردد باتساع على ألسنة المسؤولين العرب ومعظم النخب الاعلامية والصحافية وهي ان ضحايا الوحشية الداعشية من المسلمين تفوق أضعافاً مضاعفة ضحاياها من المسيحيين والأقليات. هذه اللازمة تشكل أسوأ التبريرات للعجز العربي والإسلامي تحديداً عن مواجهة أيديولوجية التوحش بتعميم يسقط مميزات الحضور التاريخي لفلول الأقليات التي تتعرض للإبادة والتهجير في البلدان العربية قاطبة. وإذا كان مجلس الجامعة العربية تفضَّل بالامس بمبادرة رمزية أكد فيها دعمه المناصفة في لبنان، علماً ان الطائف (العربي والدولي) يكرسها أصلا، فستحتاج الجامعة العربية الى صدمة ضخمة غير متوقعة للحفاظ على الأقليات تذهب بها الى مجلس الامن وتفرضها عليه إن هي شاءت انقاذ ما تبقى من اسمها فقط.