لم تخرج الولايات المتحدة الأميركية من منطقة الشرق الأوسط لتعود. كانت موجودة وما زالت. أرادت الاهتمام بالقسم الآخر من العالم المنتشر على ضفاف المحيط الباسفيكي، فتركت الشرق ليصيغ الجزء المتعلق به من النظام الدولي الجديد، فكان أن أثبت عدم أهليته للقيادة. واذا كان العرب، قبائل وأديانا ومذاهب، فإن القوتين الكبيرتين تركيا وإيران أسيرتا التنافس على جميع الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأسوأ المذهبية. أما اسرائيل، فإنها مسألة أخرى، مهما كبرت وتضخمت، ستبقى وليداً هجيناً وغريباً مرفوضاً من الجميع وان لأسباب مختلفة.
الادارة الأوبامية، أخرجت الولايات المتحدة الأميركية من حربين، ولم تكن تريد الانزلاق نحو حرب ثالثة، قبل أن تستعيد أنفاسها وقواها الاقتصادية. هذه الادارة وتحديداً منذ فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا وتقدم الاخوان المسلمين، اختارت الحل الاسلامي الإخواني للمنطقة، طالما أن شعوبها ملتزمة بالاسلام ديناً ودولة. في الوقت نفسه، هذا الخط الصاعد عند الأكثرية من الشرق الأوسطيين، يمكنه تطويق الخط الشيعي الصاعد الأقلوي الايراني. «الربيع العربي» قَلَبَ هذه المعادلة.
ثورة 25 يونيو في مصر، أطاحت الجزء الأساسي من التجربة فبقيت تركيا وما تبقى من الخط الإخواني مع قطر، قوة مؤثرة وفاعلة لكنها محدودة. لذلك عندما وقعت أحداث العراق، وكادت تطيحه، على يد نوري المالكي وقاسم سليماني فكان أن استعادت واشنطن حضورها الميداني بطلب من العراقيين، خصوصاً بعد أن تقدم الخطر «الداعشي» الذي عمل على إنضاجه تحالف الأسد المالكي.
الادارة الأوبامية، تعرف جيداً، أن الانتصار في أي حرب من الجو حلم يتحول بسرعة الى كابوس. الخطر الأكبر أن الكابوس «الداعشي»، اليوم في العراق وسوريا وغداً إذا تراجعت واشنطن في افريقيا واوروبا وفي كل مكان من العالم. أخطر ما في «داعش» انه يملك المال والرجال والعنف الأسود وقادر على الغزو.
ايران، مهما كابرت كانت تريد أن تكون جزءاً مهماً في الحرب ضد «داعش» والارهاب. إبعادها، أسّس لانخراطها بطريقة عكسية. تريد إيران أن تكسب كل «الحروب» التي تخوضها دون التنازل على أي جبهة من الجبهات. شعور الدولة الايرانية بالقوة، يدفعها الى المزيد من التشدد.
منذ ثلاث سنوات وإيران موجودة في الحرب في سوريا بالمال والخبراء وأخيراً بالرجال، لا تعترف ايران بشراكتها العسكرية مع الأسد. من وقت الى آخر تكشف كما حصل قبل ثلاثة أيام عن سقوط قتلى ايرانيين داخل سوريا. مهما استضعفت حضورها العسكري اعلامياً، فإن تواجد الفريق قاسم سليماني وتحت إمرته «حزب الله» والميليشيات العراقية في عمق سوريا يؤكد أن ايران هي طرف أساسي في الحرب لا يعتبر انه يخرق السيادة السورية وان المنخرطين من العرب في حربها ضد العرب الآخرين، تحت شعارات كبيرة عن المقاومة والممانعة مغيبون أو لا يعرفون أن الهدف الأساسي لإيران من هذه الحرب أخذ موقع لها بحجم طموحاتها في الخريطة النهائية للنظام الدولي الجديد الذي في جزئياته النظام العربي والشرق أوسطي الجديد.
أما تركيا الأردوغانية، فإنها تستعد لتكون طرفاً مباشراً في الحرب بعد أن بقيت طرفاً غير مباشر منذ بداية الثورة في سوريا. تركيا أسهمت بقوة في الأشهر الأخيرة في تنمية النصرة و«داعش» داخل سوريا. نمو هذا «الجسم الارهابي الاسلامي»، سمح لتركيا الآن، بتشريع انخراطها في الحرب داخلياً من مجلس النواب، والتحول الى مطلب عربي وخصوصاً كردي لانقاذ شمالي سوريا من «داعش». بهذا بعد أن كانت خصماً لأكراد سوريا وطموحاتهم الاستقلالية مع ما يشكل ذلك من خطر على تركيا نفسها، أصبحت اليوم خشبة الخلاص للأكراد، الى جانب ذلك فإنها كلما تقدمت خطوة في الشمال السوري، وضعت يدها على ثرواته خصوصاً النفطية منها. ولا شك أن تحالفها مع قطر سيسهّل ويدعم تخفيف ضغوط ايران عليها في الغاز وأنابيب الغاز والنفط. كل نقطة ضعف ايرانية، هي مكسب لتركيا.
العرب وحدهم يمولون هذه الحرب، ولن يربحوا شيئاً، أكثر من سوريا وقد تحولت الى أطلال من شمالها الى جنوبها.
مهما كابرت قوى الممانعة وخصوصاً ايران فإن السؤال الذي يبقى جوابه معروفاً هو:
ماذا تربح المقاومة اذا بقي الأسد وانتهت سوريا؟!