مجلس التعاون الخليجي يسترسل في ما اختصره البيان الختامي لقمة البحر الميت حول الموقف من ايران. وليس من المتوقع، وان كانت طهران راغبة في الحوار، تلبية ما يطلبه العرب كشرط للحوار. من وقف التدخل في الشؤون الداخلية العربية الى الكفّ عن السياسات التي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية. ومن وضع حدّ للاستمرار في اصدار تصريحات استفزازية والقيام بأعمال عدوانية ضد البحرين الى الامتناع عن انشاء الجماعات والميليشيات التي تؤجج النزاعات.
ذلك ان ما يتخوّف منه العرب، وبشكل خاص في الخليج، ليس سياسات طارئة ومواقف اعلامية بل ثوابت في ايديولوجية الجمهورية الاسلامية. وما يشكون منه ويطالبون بوقفه، وهو انشاء الميليشيات والجماعات، أساس في المشروع الايراني. وهو جزء من النظام الاقليمي في شرق أوسط اسلامي تقوده طهران، وتحدث عنه المرشد الأعلى علي خامنئي قبل سنوات.
واللعبة على المكشوف من قبل أن يفاخر مسؤول ايراني كبير بأن بلاده تسيطر على أربع عواصم هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. فالجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري يقول ان مشروع تصدير الثورة الى الخارج يسير بشكل جيّد، وان المقاومة اليمنية هي أحدث انجازات الثورة الاسلامية. ونائبه الجنرال حسين سلامي يرى ان ايران قوة اقليمية ذات تأثير عالمي. وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليمان يقاتل في العراق وسوريا وبلدان أخرى، ويعترف بأن قوات الباسييج حققت ما لم تنجح الثورة الثقافية في انجازه: تصدير الثورة. ولم يكتم قائد في الحشد الشعبي العراقي القول نحن تابعون لولاية الفقيه ولا نقبل أوامر من أية جهة أخرى.
وليس لدى العرب استراتيجية لمواجهة الاستراتيجية الايرانية، باستثناء ما يحدث في حرب اليمن. ومن المبكر رؤية استراتيجية أميركية، بعدما تبدّل المناخ في واشنطن، من الرهان على الاتفاق النووي والنفوذ الايراني في المنطقة أيام الرئيس باراك أوباما الى الحديث عن خطر ايران ودعمها للارهاب والاستعداد لكبح النفوذ الايراني أيام الرئيس دونالد ترامب.
ولا فائدة، كلما جرى حديث عن حوار مع ايران، من تكرار وضع طهران أمام خيار محدد صاغه الدكتور هنري كيسينجر: هل هي أمة أم قضية؟ فهي قدمت الجواب من البداية: ايران أمة وقضية معا، دولة وثورة. والمفارقة ان أميركا التي توحي انها ستحدّ من النفوذ الايراني هي التي فتحت أمام ايران باب النفوذ واسعا: من غزو العراق واسقاط نظامه ودولته على يد الرئيس بوش الإبن الى الانسحاب منه بعد تركيب ادارة طائفية له على يد أوباما.
والخيار ليس بين الحوار والصدام بل بين أي حوار وأي صدام.