اشعر بالقلق الشديد من كتابة هذه الكلمات نتيجة عدم قدرتي على فهم وتحديد اللحظة السياسية الراهنة واتجاهاتها، بسبب التحولات الإقليمية والدولية الكبيرة والسريعة التي احدثتها عملية استهداف شركة أرامكو في السعودية، وما نتج عنها من تداعيات إقتصادية وسياسية وعسكرية، قوضت المناخات الدولية التي كانت سائدة ما بعد قمة الدول الصناعية السبع، والحديث عن نجاح الوساطة الفرنسية بعقد لقاء بين اميركا وايران على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
حاول البعض توصيف الاعتداء على أرامكو بأحداث ١١ ايلول في الولايات المتحدة، والتي أدت الى سرعة الاستنفار الدولي حول أميركا والذهاب معها الى حرب احتلال أفغانستان بالاجماع، وذهب البعض الاخر الى تشبيه ما حدث في أرامكو باحتلال العراق للكويت، والذي ادى الى قيادة الولايات المتحدة تحالف دولي مع دول اعلان دمشق العربية والدخول في حرب عاصفة الصحراء وتحرير الكويت ومحاصرة العراق على قاعدة النفط مقابل الغذاء، وهناك رأي اخر يعتقد بأننا دخلنا في مرحلة الحرب الشاملة المباشرة بديلا عن النزاعات الطويلة بالواسطة تمهيدا لدخول المنطقة في عملية انتظام عام.
حرائق أرامكو احدثت واقع شديد الغموض والالتباس على مستوى العالم بأسره، بسبب التغيير الكبير في معايير القوة والصداقة والتحالفات والخصومات، بالاضافة الى التشويش الكبير الذي يسيطر على دقة المعلومات في ظل حرية المعلومات التي تُناقض بعضها البعض على مدى الدقائق والثواني ومع تقنيات الطائرات المسيرة غير المعروفة سابقا في الحروب والنزاعات، مما يضعنا امام نظام مخاطر مرعبة مع ما لا نعرفه من أسلحة الدمار التي قد تستخدم اذا ما دخلنا في حرب شاملة تكون مسرحا لاستعراض القوة والمهارات والتقنيات واعادة تحديد الأقوياء والضعفاء كما حدث مع اليابان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
حرائق ملايين براميل النفط في أرامكو سيطرت على اجتماعات أنقرة بين ايران وروسيا وتركيا في إطار مجموعة أستانا حول سوريا، وهم ثلاث دول غير عربية يتحدثون عن ضرورة الإسراع بالدستور السوري الجديد وعن مستقبل الشعب العربي السوري الذي يعيش في الخيم والعراء بعد ان تحولت سوريا الى ساحة نزاع ومنصة للأطماع، وايضا سيطرت حرائق أرامكو على التعابير الدبلوماسية لجهة الرفض الدولي لادعاء الحوثي مسؤوليته عن الاعتداء وتهديده استقرار العالم واقتصاده وهيبته، وجاء رفض هذا الادعاء عبر تأكيد الرغبة الدولية بإجراء تحقيقات دقيقة لتحديد مصدر الاعتداء وانخراط فرنسا في التحقيقات كونها الوسيط في الحوار بين اميركا وايران.
حرائق أرامكو سرّعت بزيارة وزير الخارجية الاميركي الى جدة وابو ظبي كتعبير عن عدم قدرة اميركا على تجاوز حرائق أرامكو، وبعيدا عن حسابات الانتخابات الاميركية والصفقات وعن السرديات الجازمة حول شخصية الرئيس ترامب لجهة الحرب والسلام ومع سعي اميركي جاد لاعادة تشكيل وتقييم التحالفات في المنطقة وانضمام السعودية والإمارات الى التحالف الدولي الذي دعت اليه اميركا لضمان امن الملاحة في الخليج ومضيق هرمز وباب المندب والبحر الأحمر ومع عقد اجتماع طارئ في الخارجية الاميركية لمندوبي دول التحالف الإستراتيجي حول ايران المشاركة في اجتماعات وارسو، وحرائق أرامكو رفعت كثيرا من حرارة اجتماعات الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي قد تشكل هذا العام بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط الحد الفاصل بين الحرب والسلام.