أن يكون الكمين الذي نصب للمطران موسى الحاج العائد من مهمته الرعوية، على هذا النحو من الاتقان والتحضير، فهذا يستدعي توصيفه بالمكائد الكبرى التي حصلت في فترة الوصاية السورية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تفجير كنيسة سيدة النجاة وما تلاها من استهداف وتوقيف وسجن وإلغاء. كمين الناقورة الذي كان أشبه بعاصفة استهدفت الكنيسة، لم يحصل لو لم يحظ بتوقيع القاضي فادي عقيقي، لكن هل هذا القاضي المطواع الذي وقّع مذكرة احضار لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في أحداث الطيونة، تصرّف من تلقاء نفسه، او على مسؤوليته؟ بالتأكيد سيكون حصر البحث بما حصل بالقاضي عقيقي مضيعة للوقت، فالتاريخ لن يذكر من اصدر مذكرة التوقيف، بل من خطط للكمين، تماماً كما يذكر التاريخ أن تفجير الكنيسة رتّب بتدبير من النظام الأمني السوري اللبناني.
وبالتالي، يفترض بالكنيسة التي تعرضت لهذا الاعتداء أن تتجاهل القاضي عقيقي، وان تتجاوز مطلب إقالته، لأن هذا المطلب بات هامشياً، أمام الفاعلين الحقيقيين الذين يحركون المحكمة العسكرية برفع الاصبع.
عندما ستروى احداث الطيونة بشكل مفصل، سيظهر الدور الحقيقي للقاضي عقيقي، وهو دور اقتصر على تلبية الطلبات المجنونة لأصحاب القرار الفعليين، ولأتباعهم من حزب شهوة السلطة لتوقيف جعجع، ولو كلف التوقيف حرباً أهلية، كما سيظهر دور ما تبقّى من عقلاء الذين استطاعوا تفكيك اللغم وردّه الى اصحابه بعد تعطيله.
كما في الطيونة كذلك في توقيف المطران الحاج، وجب البحث بما بعد بعد القاضي عقيقي، فالرسالة الى بكركي تشبه الحملات المنسقة، التي تهدف للترهيب والاسكات، وما بعد بعد يصل الى المسؤول الأمني اياه الذي يحرك احجار الشطرنج، والى المسترئس الذي لم ترُق له مواقف البطريرك الراعي ومواصفاته الرئاسية، فبصم خطوة استهداف الكنيسة وغطّاها باعتبارها جزءاً من سطوة مشروع السلاح الذي يغطيه منذ العام 2005، وباعتبار مردوده، اذا نجح ترهيب الكنيسة، سيصب في خدمة الاسترئاس.
لهذا بات من العبث التساؤل عن الموقف الصامت للرئيس ميشال عون حامي حمى المسيحيين، إزاء توقيف مطران ماروني، بعد فبركة تهمة العمالة له. فهذا التوقيف ليس من اختصاص حقوق المسيحيين، التي تقتصر على الاسترئاس على جثة بلد منهار، وعلى تأمين المصالح وتعطيل تشكيل الحكومات وتعطيل الانتخابات الرئاسية، فقط للاحتفاظ بقصر بعبدا.
ولهذا ايضاً، بات من العبث اقتصار تفسير الصمت على انه مجرد عجز. فالحصة العونية في القاضي عقيقي ليست هامشية، فهو القريب من باسيل والذي يلبي ما يريد اسوة بكل من تم تعيينهم في الادارة والقضاء، وهذا التقرّب لا يحجب علاقته المتينة بـ»حزب الله»، الذي يعتبر المحكمة العسكرية من اهم الادوات التي يستعملها في اللعبة الداخلية.
لقد وصلت الرسالة الى الكنيسة، بتوقيع الفاعلين الأصليين لا سعاة البريد، وهذه الرسالة تمّ الردّ عليها في بيان الاساقفة من الديمان ردّاً اولياً، على ان تستمر الكنيسة في مواقفها الثابتة خصوصاً في الاستحقاق الرئاسي الذي تخشى فيه من ست سنوات جديدة من عهد عون، ذلك اياً كان الاسم الذي سيحاول «حزب الله» فرضه تحت طائلة التعطيل. الرسالة تهدف الى لجم المواقف السيادية لبكركي، والى فرملة توجهها لانتخاب رئيس يمتلك الحد الادنى من القدرة على تحمل المسؤولية، ولهذا لا تقتصر الرسالة على استهداف بكركي، بل تصل الى ضرب مواصفات هذا الرئيس، ومن هذه الزاوية، ليس تفصيلاً ان يكون احد الاهداف توقيف المطران الحاج تحت انظار المؤسسة العسكرية وقائدها، في سيناريو مكرّر لكمين الطيونة.