ليست العلاقة بين رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون وحلفائه في فريق 8 آذار ورديّة بالكامل. فنسبة ورديّتها تتفاوَت ولا تنعدم في المُطلق بين فريق وآخر. فعلاقته مع «حزب الله» ورديّة وموثوقة أكثر من علاقته بحركة «أمل». والأمر نفسه ينسحب على العلاقة بينه وبين بقيّة أطراف هذا الفريق.
ثمّة اعتقاد يرقى أحياناً إلى مستوى اليقين لدى غالبية هؤلاء الأطراف بأنّ الظروف والمرحلة قد لا تساعد عون على النفاذ إلى سدّة رئاسة الجمهورية.
ولكن، لا يطلب هؤلاء من عون أن يسحب ترشيحه لأنّ المطلوب، بالنسبة اليهم، أن يستمرّ في مواجهة مرشّح 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وربما بمواجهة آخرين غيره. والقصد من استمرار عون في ترشيحه هو الوصول في النهاية مع الفريق الآخر إلى مرشّح تسوية.
لكنّ عون، وعلى رغم إدراكه أنّ حظوظه بالفوز الرئاسي ضئيلة، لم ينبس ببنت شفة أنه سينسحب من السباق الرئاسي، بل إنّ ما يظهر في فَلتات لسانه حتى الآن أنه يريد ثمناً كبيراً مقابل انسحابه.
وفي اللقاء الأخير بينه وبين الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، والذي انعقد بناء على طلبه، لم يأت عون على ذِكر ترشيحه، لا من قريب ولا من بعيد، وأنّ نصرالله هو مَن بَادَره قائلاً إنّ الحزب لا يؤيّد ترشيحه على سبيل الوفاء له أو لموقف سياسي، وإنما لثقة بشخصه أنّه الرجل المناسب للمرحلة.
عندها، ظهرت معالم الارتياح على مُحيّا عون، وعلى رغم ذلك لم يبدِ أيّ تعليق، إذ كان جُلّ همّه أن يسمع ما لدى «السيّد» من معطيات إيجابية عن مستقبل الأوضاع في المنطقة، خصوصاً أنّ ما حصل في العراق من اجتياحات «داعشية» وما تلاها من مضاعفات، قد أقلقه. وازداد هذا القلق بعد تشكيل التحالف الاقليمي ـ الدولي ضد «داعش» الذي تزامن إعلانه مع هذا اللقاء.
وكانت حصيلة النقاش في الوضع الاقليمي أنّ هذا التحالف يستهدف بالدرجة الأولى حماية الاتفاق السياسي الاقليمي الدولي الذي أنتجَ حكومة الوحدة الوطنية العراقية برئاسة حيدر العبادي، بحيث يُنهي هذا التحالف وجود «داعش» العراقيّ أو يقوّضه ويترك الحبل على غاربه لـ«داعش» السوريّ الذي يمكن أن يتعرّض لضربات تُضعِف ولا تُميت.
في أيّ حال، ثمّة اتصالات داخلية تجري في العمق بين الأفرقاء في 8 و14 آذار تظللها اتصالات في المقابل بين حلفاء هذين الفريقين إقليمياً ودولياً، لكن لا معطيات جديّة حتى الآن تشير إلى أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي قد اقترب موعده، في انتظار تبَلور الخيط الأبيض من الخيط الأسود مِن فَجر هذا الاستحقاق.
موقف الحلفاء
ماذا يقول حلفاء عون في هذا المضمار؟
عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم يجيب باسم هؤلاء الحلفاء مؤكداً لـ«الجمهورية» أنّهم «متمسّكون بترشيح عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية»، مشيراً إلى أنّ «لا خيارات بديلة عنه إلّا بعد حصول البحث والاتصالات بين جميع الأفرقاء السياسيين وما سينتج عن ذلك من تفاهم جدّي وبنّاء».
ويشدّد هاشم على أنّ «نتائج الاتصالات والاتفاقات التي ستحصل بين جميع الافرقاء السياسيين، وليس فقط حلفاء عون، هي التي ستحدّد مواصفات الرئيس المستقبلي»، معتبراً أنّ «المواصفات المطلوبة بالرئيس العتيد أصبحت واضحة اليوم، وهي تتمثّل بشخصيّة جامعة تشكّل جسر عبور بين لبنان والدول العربية».
وعمّا سيكون عليه الموقف في حال استمرّ عون في ترشيحه، يقول هاشم: «إنّ حظوظ عون في الفوز بالرئاسة تتوقّف على الافرقاء، إذ انّه لا يمكن وضع نسبة تقديرية دقيقة لأنّ موازين القوى في الساحة السياسية أصبحت معروفة، ولا بدّ من الحصول على مساحة من المواقف لكي تحدّد الحظوظ.
إلّا أنّ ما لا يمكن نُكرانه هو أنّ لدى عون حظوظاً مرتفعة حتى ولَو كانت النتيجة تصبّ في خانة التوافق». ورداً على سؤال عن الثمن الذي سيناله عون مقابل سَحبه ترشيحه، يجيب هاشم: «لا يمكن الدخول في الاحتمالات والتكهنات والتحليلات لأنّ موضوع الأثمان والتسوية يأتي في سياق السياسة الوطنية والتركيبة اللبنانية».
ويضيف: «إنّ الكلام عن التسويات يفرض تحديدها في الاسماء والتحالفات بين مختلف الافرقاء السياسيين. لذا، يفضّل الابتعاد عن الدخول في بازار التكهنات وترك الأمور إلى حينها وما سينتج عنها من تسويات مناسبة للوضع العام».
«حزب الله»
الى ذلك، قال مصدر نيابي في «حزب الله» لم يَشأ الإفصاح عن اسمه أنّ «موقف الحزب المؤيّد ترشيح عون لرئاسة الجمهورية هو موقف ثابت»، وأكّد أن «لا خيارات أخرى بديلة عنه حتى الآن». ولاحظَ أنّ «نسبة حظوظ عون في الفوز برئاسة الجمهورية مرتفعة لأنّ هناك مسؤولية وطنية بإيصاله إلى سدّة الرئاسة».
أمّا بالنسبة إلى تكتل «التغيير والاصلاح» الذي يرأسه عون، فيقول أحد أعضائه النائب نعمة الله أبي نصر باسمهم: «إنّ الحلفاء ما زالوا جَديّين في دعم ترشيح عون للرئاسة»، ويضيف: «لم يظهر أيّ شيء لدى الحلفاء يُثبت أنهم غير صادقين في تحالفهم على ترشيح عون»، معتبراً أنّ «هذا الدعم واضح، أقلّه في الظاهر، أمّا في الباطن فالله يعلم».
ويؤكد أبي نصر لـ«الجمهورية» أنّ «حظوظ عون في الفوز شبيهة بحظوظ المرشحين الآخرين، لأنّ الأمر يتعلّق بالوضع العامّ والمشكلة في تأمين النصاب القانوني والدستوري خلال جلسة الانتخاب»، لافتاً إلى أنّه «من ناحية نَيل الأصوات يكون عون من بين الأوائل، لا بل في المرتبة الأولى».
ويشير إلى أنّ «لا خيارات أخرى بديلة من عون لتسميتها وترشحيها لمنصب الرئاسة، كما أنه لم تظهر الى العلن أيّ معلومة جديدة في هذا الإطار». ويضيف أبي نصر أن لا معلومات لديه عمّا يحصل في الكواليس «لكن ما يمكن الجزم به هو أنّ العمل الحالي مُنصَبّ على رئيس توافقي».
ويرى أنّ «ما مِن رأي موحّد بين جميع الأطراف إزاء مَنصب الرئاسة، ولذلك يجب أن تتركّز الجهود على إنهاء الخلافات داخل الطائفة المسيحية لكي تصبح موحّدة كالطوائف السنية والشيعية والدرزية». ويختم: «لا أدري ما يمكن أن يكون الثمن الذي سيحصل عليه عون في حال سَحبَ ترشيحه، فهو أمر يتعلّق بشخصه ولا يمكن التكهّن به».